الثلاثاء، 6 يناير 2009

في ذكرى اليوم العالمي لأيتام الحروب


من مفارقات عالمنا الراهن، أنه في الوقت الذي يتمتع فيه بعض أطفال العالم باللُّعب التي قُدمت كهدايا إليهم بمناسبة رأس السنة الجديدة، يعيش أطفال غزة الألم والرعب الذي ينامون عليه ويستيقظون عليه منذ أكثر من أسبوعين من دون أن يفقهوا ما الذنب الذي اقترفوه واقترفه آباؤهم لكي يلاقوا مثل هذا المصير المأساوي.
على غير عادته، جاءهم هذه السنة "بابا نويل" الإسرائيلي على أجنحة "إف 16" فكان شديد الكرم معهم، فسبقته هداياه من قنابل وصواريخ وجّهها دونما انتقاء، مفرغا أحمر لباسه دما على وجوه الجرحى والموتى، من دون أن ينسى أن يلطخ وجوه الأحياء احتضانا لموتاهم، تاركا سجل غزة من الفرح بياضا علامة على خلوه منه.
ومن المفارقات الأخرى أننا اليوم، وبعد ستة أيام من فرح نظرائهم الأطفال في دول العالم الآمنة وبحلول السنة الجديدة يحتفل أبناء ضحايا الحروب بيومهم العالمي "لأيتام الحروب"...
المقابلة تفرض نفسها، وتجعل الملاحظة منا مشروعة، المناسبات قد تحدد هوية طفل اليوم وتشكل شخصيته، وتنتج رجل الغد بين آلام الطفولة مختزنة في الذات، وحاضر اكتنز جروحا لا تندمل. أيتام الحروب هم أطفال يعيشون المأساة والجراح دونما ذنب، تتحكم في مصائرهم إرادة المحتل المعتدي ترسخ المشهد المتكرر الجثث الملطخة بالدماء في أذهانهم صورة الأرض المسلوبة الغارقة في شلالات من الدم، وصور أصدقائهم ممن لم يبق لكثير منهم عائلة، فقد حاصر العدوان مجمل تفاصيل "المشهد الغزاوي" المعتدي.. وأفلس أطفال الحروب من ذوي القربى والمعرفة.
بادية على أعينهم انعكاسات بشاعة المذابح المتواصلة التي تقتلع من بين أضلعهم أحاسيس طفولية بريئة، تجعلهم يتباعدون مسافات عما يعيشه بقية أطفال العالم من مشاعر فرح عابرة، إذ لم يعد الحدث اليومي عندهم ضحكا ولا لعبا ولا تبقى إلا رائحة الفوضى، تستبدله الحروب فرضا بصوت الرصاص يوقظ مضاجعهم ويدمر الإحساس بالأمن في دواخلهم، هم اليوم فئة تلقب بأيتام الحروب، تتزايد أعدادهم إلى درجة مخيفة حد الرعب، فوفق تقرير منظمة اليونيسيف لسنة 2005، يوجد أكثر من 132يتيما في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وآسيا وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. العراق بمفردها يبلغ عدد الأيتام فيها خمسة ملايين بسبب الحروب وأعمال العنف.
كما تتوقع تقارير رسمية صادرة عن "اليونيسيف" ان ما يقارب عن 110 ملايين طفل أقل من 15 سنة سينضمون إلى لائحة أيتام الأب والأم بحلول سنة 2015، وتؤكد التقارير نفسها أن نسبة اليتامى ستصل إلى 15 في المئة بحلول تلك السنة، ما يجعلنا نتكهن بارتفاع نسبة اليتامى مستقبلا على غيرهم من الأطفال.
ولئن كانت هذه الإحصاءات الرسمية تعلن عن ارتفاع عدد يتامى الحروب في العالم، فإنها تعلن ضمنيا استمرار تجوال مواسم الجنازات داخل المنطقة العربية والإسلامية وفي العالم، من العراق الى فلسطين الى الصومال وكمبوديا لتتمركز هذه الأيام في غزة الجريحة، لتشي بأن الحرب تهب الآلاف من أطفال الدول العربية اليُتم بامتياز، حتى نكاد نعترف بأن بلداننا أصبحت بؤرة حقيقية لليتم، وأن أمتنا في طريقها الى أن تصبح أمة اليتامى بلا منازع، بيد أن الحروب فيها لا تعرف الهوادة؛ تمضي الواحدة لتأتي الأخرى أكثر شراسة ساحبة بين ثناياها أولياء هم نبضها ووقودها، ليجد الأطفال أنفسهم أمام وضع مأساوي، البعض منهم قد يكون تكهن بمصيره، وقد هُيئ له في استباق لسنه، وآخرون لم يدركوا ما انتظرهم في غفلة منهم.
يتامى غزة اليوم، نماذج من الحياة، يتكررون يوميا بتكرر فعل الشراسة، تغيب ابتسامتهم وقد خلّفتها دمعة تنسكب مدرارا على وجنتين ذابلتين نجح القهر بامتياز في احتقانها، لا ذنب لديهم سوى أنهم ولدوا في أرض وهبها رجالها ونساؤها حياتهم حد الفناء.
الكثير يوحّد أطفال العالم، الحقوق المسلوبة منها والمتحصل عليها غير أن أطفال الحروب يوحد بينهم ما هو أقوى في عرف الألم من الدموع والقهر، هو اليتم ومرأى الوالدين يقتلان أمامهم، تحوّلهم مشاهد الموت الى قنابل موقوتة تقتلع من قلوبهم ابتسامة الطفولة لتعوضها مرارة وألما يفرزان رجالا رغم أنفهم فينتجون بالتالي أطفالا بدورهم يوهبون الى اليتم، لتستمر بذلك عجلة اليتم والقهر في جدلية لا إرادية، لا نهاية للألم والموت بعدها، لسنا ندري اليوم، وفي ذكرى اليوم العالمي لأيتام الحروب، إلى متى تستمر صناعة اليتم في دولنا العربية، وهل كتب علينا كدول عربية أن تصبح هذه الصناعة تكاد تختص بها الدول العربية رغما عنها؟ وفي اليوم نفسه بالذات نتساءل كذلك: أين نحن من برنامج "عالم جدير بالأطفال" الذي حددت بنوده منظمة اليونيسيف منذ 5 سنوات؟