الأربعاء، 31 ديسمبر 2008

حملة اعتداءات وتهديدات بالانتقام من الصحفيين

31 ديسمبر / كانون الأول 2008تونس – تونس
** حملة اعتداءات وتهديدات بالانتقام من الصحفيين** **
المرصد الوطني لحرية الصحافة و النشر و الإبداع في تونس – OLPEC**
كثفت السلطات التونسية في الأيام الأخيرة حملة اعتداءات منظّمة جعلت الإعلاميين المستقلين هدفا رئيسيا للقمع والترهيب من قبل الأجهزة الأمنية والتشويه عبر الصحف المأجورة.
وقد سجل المرصد يوم أمس 30 ديسمبر 2008 استهدافا خاصا للصحافيين بالنيل من حرمتهم الجسدية وتهديدهم ومنعهم من مزاولة علمهم خلال متابعتهم لتحركات المجتمع المدني احتجاجا على الاعتداءات الإسرائيلية على غزة.
فقد تم الاعتداء بالضرب على الصحفي لطفي حجي مراسل قناة "الجزيرة" وكسر نظاراته أثناء تغطيته محاولة خروج مسيرة احتجاجية والاعتداء بالضرب المبرح على محمد الحمروني المحرر بجريدة "الموقف" ومراسل صحيفة العرب القطرية وتهديده بالانتقام منه إن هو واصل التزامه بخطه الصحفي في متابعة الأحداث الوطنية.
كما تم قطع الطريق على إسماعيل دبارة مراسل جريدة "إيلاف" الالكترونية والاعتداء عليه بالصفع والركل والشتائم في مناسبة أولى ثم اللحاق به في شارع الحبيب بورقيبة وإعادة الاعتداء عليه بالضرب والشتم والاستيلاء على هاتفه الجوّال وحافظة أوراقه وتهديده بمزيد النيل من سلامته الجسدية.
كما تم اليوم منعه من قبل عناصر البوليس السياسي من دخول مكاتب زملائه الصحافيين الذين تعرضوا مثله للاعتداء يوم أمس. وتمت محاصرة منزل لطفي حيدوري الصحفي بمجلة "كلمة" الالكترونية ومراسل وكالة "قدس برس" الدولية إلى ساعة متأخرة من الليل من قبل سيارات مدنية ونظامية ودراجات نارية وترويع زواره وعائلته.
يأتي هذا فيما تواصل السلطات التونسية إدارة حملة شعواء تهدف إلى تشويه سمعة الصحفية سهام بن سدرين مديرة موقع مجلة "كلمة" الإلكترونية عبر الصحف التونسية المأجورة أو عبر الإعلانات مدفوعة الأجر بصحف أجنبية.
والمرصد الوطني لحرية الصحافة والنشر والإبداع إذ يعتبر أنّ ما جرى هو اعتداء نوعي منظم وخطير الهدف منه الترهيب لإخراس أصوات الصحفيين المستقلين لمنعهم من أداء رسالتهم الإعلامية بحيادية خاصة وأنّ النظام التونسي يخوض مهرجانا إعلاميا بالأساس في سياق حملة التمديد للرئيس الحالي لولاية خامسة خلال 2009.
- يندد بالاعتداءات السافرة من قبل أجهزة وزارة الداخلية على الصحافيين أثناء قيامهم بعملهم.
- يعبّر عن تضامنه مع كل الصحافيين الذين تعرضوا للاعتداءات ويحثّهم على مواصلة رسالتهم الإعلامية بشجاعة.
- نطالب السلطات التونسيين باحترام العاملين في القطاع الإعلامي والالتزام بتوفير الصمانات الكافية لحمايتهم أثناء أداء وظيفتهم مثلما ينص عليه إعلان الأمم المتحدة الخاص بالصحفيين.
عن المرصد الكاتبة العامة سهام بن سدرين
يفكس – أنباء من الشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرية التعبير

الثلاثاء، 30 ديسمبر 2008

الهجوم الإسرائيلي يطال ��دة مؤسسات إعلامية في قطاع غزة

**الهجوم الإسرائيلي يطال عدة مؤسسات إعلامية في قطاع غزة**
** مراسلون بلا حدود – RSF **

منذ بدء الطيران الإسرائيلي بشن غارات جوية في 27كانون الأول/ديسمبر 2008، أحصت مراسلون بلا حدود عدة أحداث طالت المؤسسات الإعلاميةفي قطاع غزة، ولا سيما قصف مقر تلفزيون الأقصى التابع لحركة حماس والحظر المفروضعلى الصحافة الدولية من دخول الأراضي.في 28 كانون الأول/ديسمبر، قصف الجيش الإسرائيليالمبنى الذي يحوي مكاتب تلفزيون الأقصى، ما تسبب بتدمير المبنى المؤلف من خمسةطوابق وإصابة عدة أشخاص من دون أن يسفر هذا الحادث عن أي وفاة.
واستمرت القناة فيبث برامجها.في رسالة موجهة إلى وزير الدفاع الإسرائيلي إيهودباراك، أدانت المنظمة هذه الضربة مذكرة بأنها تشكل "انتهاكاً فاضحاً للقانون الدوليالإنساني"، مضيفةً أنه كون "قناة التلفزة تمثل الجهاز الدعائي لحركة حماس لايحوّلها إلى هدف عسكري شرعي".
وقد احتجت المنظمة بالقول: "إذا كانت دولة إسرائيل قدشرّعت الاعتداءات الموجهة ضد المؤسسات الإعلامية، مهما كانت دعائية، فلا بدّللهيئات المدنية من أن تعبّر عن ذلك بوضوح ورسمياً ليعرف الجميع أنها تعترض علىتطبيق القانون الدولي الإنساني في النزاعات التي تورّطت فيها".
كذلك، تدين المنظمة القرار الصادر عن دولة إسرائيلوالقاضي باعتبار قطاع غزة "منطقة عسكرية مغلقة" مانعاً وصول الصحافة الدولية إليها.
وكان معبر إيريتز الذي أقفل منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2008 قد أعيد فتحه قبل اندلاعالقصف ببضع ساعات ليعاد إقفاله مجدداً لاحقاً.في النهاية، تبلّغت المنظمة بإصابة ثلاثة صحافيين لاتزال هويتهم مجهولة في خلال الاعتداء على المقر العام لشرطة حماس يوم اندلاعالأعمال العدائية.
آيفكس – أنباء من الشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرية التعبير

الأحد، 21 ديسمبر 2008

حتى الجانب الإنساني طارده شبحها

المساعدات الإنسانية تغرق في نفق الأزمة العالمية المظلم
بعد أن طالت تداعياتها القطاعات الاقتصادية كافة، بحيث لم يسلم أي قطاع من تأثيراتها السلبية، دقت الأزمة المالية العالمية هذه المرة باب المساعدات الإنسانية. وضعت الأزمة المالية العالمية في أحضانها بعضا من التركة الثقيلة التي حملتها للاقتصاد العالمي برمته لتدق به جدران المساعدات الإنسانية، حيث تشير التوقعات إلى أن الأزمة المالية ستؤثر بشكل كبير في التمويل الإنساني وبالتالي ستنخفض المساعدة الإنمائية الرسمية بما يقترب من الثلث أو أكثر، بحسب المحللين. هذا إلى جانب قيام بعض أكبر المنظمات غير الحكومية العاملة في المجال الإنساني والتنموي حالياً بتقليص عدد موظفيها أو مراجعة برامجها لعام 2009 مع انكماش مواردها بسبب الأزمة.
نصف حجمها من "الأوروبي" 117 مليار دولار حجم المساعدات الانسانية في 2007 طبقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فقد بلغت المساعدة الإنمائية الرسمية العالمية من جميع الدول المانحة 117.576 مليار دولار عام 2007. ويعتبر الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء البالغ عددهم 27 دولة أكبر مقدم للمساعدة الإنمائية الرسمية حتى الآن، حيث يقدم الاتحاد نصف مبلغ المساعدات العالمية. وكانت المساعدة الإنمائية الرسمية قد انخفضت في عام 2007 إلى 46.1 مليار يورو (59.4 مليار دولار) أو 0.38 في المئة من إجمالي الدخل القومي العالمي في عام 2007 من 47.7 مليار يورو (61.4 مليار دولار) أو 0.41 في المئة من إجمالي الدخل القومي العالمي في عام 2006.
تباطؤ نمو البرامج
وفي سياق متصل، أفاد خبراء جمع التبرعات في 3 من أكبر المنظمات غير الحكومية في العالم وهي منظمة أوكسفام البريطانية، ومنظمة إنقاذ الطفولة - المملكة المتحدة، ومنظمة وورلد فيجن- الولايات المتحدة، أن نمو البرامج سيتباطأ في عام 2009 نتيجة للضغوط المالية المتولدة عن الازمة. وكانت "أوكسفام" قد وضعت تصورات لنمو مقداره 5 إلى 6 في المئة خلال عام 2009 - 2010، ولكنها قامت الآن بمراجعة تلك النسبة وعدلتها إلى صفر في المئة. انخفاض المصاريف نتيجة لاستشراف بعض الخبراء لواقع ومستقبل المساعدات الانسانية الذي يشير إلى انخفاض معدلها، تقوم منظمات الإغاثة حاليا بكل ما تستطيع لمنع تأثير الانخفاض في التمويل على المستفيدين، حيث أشار جون شو من "أوكسفام" في تصريح إلى شبكة الأنباء الإنسانية، إلى محاولة المنظمة خفض المصاريف في مجال الدعم وليس في تكاليف البرامج، مقدرا نسبة الانخفاض بما يتراوح بين 10 و15 في المئة من المصاريف المتغيرة، بما في ذلك موظفو المقر الرئيس والمكاتب الإقليمية لخلق عمليات فعالة من حيث التكلفة.
وفي الوقت الذي لم يروا فيه تخفيضات جوهرية في التبرعات الفردية، يتوقع الخبراء الماليون للمنظمات غير الحكومية انخفاضاً محتملاً مع اقتراب موسم جمع التبرعات في الأعياد، حيث قالت مديرة التبرعات في منظمة إنقاذ الطفولة في لندن تانيا ستيلي: "لقد قمنا بتوزيع كروت تبرعات عيد الميلاد...
وهذه العطلة ستكون اختباراً حقيقياً لحالة شد الأحزمة"، لافتة الى أن بعض أكبر التخفيضات في التمويل يأتي من الشركات المانحة في القطاع المالي، مضيفة، إن "انخفاض التمويل المقدم من الشركات بدأ منذ 6 إلى 9 أشهر".
وأردفت، إن "قطاعات البنوك الاستثمارية والخدمات المالية كانت كريمة جداً في العام الماضي، ولكننا نعرف أن العام المالي المقبل سيكون صعباً عليهم. كما نتوقع أن يكون التمويل المقدم منهم في أقل الحدود، ومن المحتمل أن يتضاءل مع دخول عام 2009".
انخفاض التمويل يوقف البرامج
من جهته، قال مدير الدعوة والعلاقات الحكومية في "وورلد فيجن" روبرت زاتشريتز، لشبكة الأنباء الإنسانية (إرين) من العاصمة الأميركية واشنطن: "لن يكون نمو التمويل المقدم من الشركات كبيراً، ولذلك فلن نقوم بزيادة عدد برامجنا كما كنا نود أن نفعل". بدوره، كشف مدير التمويل ونظم المعلومات في "أوكسفام" البريطانية جون شو لشبكة (إرين)، أن "النمو الذي افترضناه عندما قمنا بوضع الخطط منذ عام مضى لم يتحقق".
الى ذلك، قال الخبير الاقتصادي لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي برت هاوس لــ"إرين": "لدينا قلق عميق حيال مستقبل المساعدة الإنمائية الرسمية.
ففي فترات سابقة من الركود الاقتصادي والاضطراب في الأسواق، انخفضت المساعدة الإنمائية الرسمية العالمية في بعض الأحيان إلى حوالي 40 في المئة من قيمتها المقررة سلفاً".
ونتيجة لذلك لن تتمكن منظمات غير حكومية، مثل إنقاذ الطفولة، من القيام باستثمارات كبيرة في البرامج القائمة أو البرامج الجديدة كما كانت تأمل. المساعدات الحكومية مصدر رئيس وتعتبر المساعدات الحكومية الرسمية المصدر الرئيس لتمويل معظم وكالات الأمم المتحدة، على الرغم من أنها لا تمثل نفس القدر بالنسبة للمنظمات غير الحكومية.
فعلى سبيل المثال، بلغت المساعدة الإنمائية الرسمية أكثر من 70 في المئة من موازنة اليونيسف البالغة 3 مليارات دولار عام 2007، في حين تلقت منظمة كونسيرن ورلدوايد من الحكومات والممولين الشركاء ما يعادل 48 في المئة فقط من موازنتها لعام 2007 والبالغة 116.3 مليون دولار، و48 في المئة أخرى من التبرعات العامة والقطاع الخاص، والنسبة الباقية جاءت على شكل تبرعات عينية. ويدرس خبراء المساعدات الإنسانية حالياً أنماط التباطؤ والركود الاقتصادي في الماضي من أجل الاسترشاد بها، وتختلف تصوراتهم باختلاف المنظمات ومصادر تمويلها.
قلق وتفاؤل
في مقابل النظرة التشاؤمية التي تشير الى انخفاض التمويل الانساني، تبرز اخرى اكثر تفاؤلا وايجابية، حيث لا يتوقع الجميع انخفاضاً كبيراً في المساعدة الإنمائية الرسمية، مستدلين على ذلك بارتفاع التمويل الأميركي في عامي 2001 و 2002 رغم فترة الركود الاقتصادي التي ارتبطت بإفلاس شركات التجارة الإلكترونية والتي استمرت 8 أشهر عام 2001. وفي هذا السياق، لفت مستشار الاتصال وتطوير الأعمال في صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة أنتوني دي جانغ، في تصريح خاص لـ"أرين"الى انه "لم نر أبداً تأثير ذلك في موازنات المساعدة الإنمائية الرسمية... ولكن بالطبع نحن قلقون".
من جهته، بيّن الباحث في مركز التنمية العالمية Center for Global Development ديفيد رودمان، وهي هيئة استشارية مقرها واشنطن لـ"أرين"، أن "كل أزمة مالية وقعت في دولة مانحة منذ عام 1970 كانت متبوعة بانخفاض في مساعدات تلك الدولة".
وأشار رودمان إلى أن المساعدات الفنلندية انخفضت بنسبة 62 في المئة خلال الأزمة الاقتصادية في فنلندا في بداية التسعينات، بينما انخفضت المعونة اليابانية بنسبة 44 في المئة خلال أزمة اليابان الاقتصادية التي استمرت عشر سنوات. واكد انه "بالطبع من المبكر جداً التكهن بأي شيء فنحن لا نعرف إلى أي مدى ستسوء الأمور.
ولكنني شخصياً أرى أن الأزمة في اليابان كانت خطيرة جداً، وبالمثل كانت الأزمة في فنلندا، بينما واجهت السويد والنرويج مشكلات أقل في بداية التسعينات، وتخميني هو أن الدول المانحة ستكون في موقف بين هذين الطرفين". ضبابية تأثير الازمة في السياق نفسه، قالت المتحدثة الرسمية باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ستيفاني بنكر لـ"إيرين": "كنت أتمنى لو أن لدي المزيد من الإجابات.
فالجميع يريدون المزيد منها حول هذا الموضوع". وأضافت قائلة: "نحن قلقون بدون شك. لدينا افتراضات بأنه قد يكون للأزمة المالية بعض التأثير ولكن ليس من الواضح بعد ما هو هذا التأثير". تجدر الاشارة إلى انه حتى الآن لم ترد تقارير من أي من وكالات الأمم المتحدة عن تباطؤ في المساهمات المقدمة من الدول، كما لم تتبلور أي فكرة واضحة عن التأثيرات المحتملة. آفاق مستقبلية غامضة وفي حين يتفق الخبراء حول العالم على إمكانية الحصول على أموال جديدة في حال حدوث أزمة في الأشهر المقبلة، تبدي تانيا ستيلي من منظمة إنقاذ الطفولة قلقاً من احتمال أن تتأثر بعض الأزمات المزمنة والمهملة كما هو الحال في جنوب السودان.
ويشاطر ستيلي بالرأي منظمة وورلد فيجن التي تخشى من أن يتعرض المستفيدون من برامج القروض الصغيرة على وجه الخصوص كالفلاحين الفقراء الذين يتلقون قروضاً لشراء المعدات والبذور والأسمدة لضربة موجعة، حيث أشار روبرت زاتشريتز من وورلد فيجن إلى أن "الكثير من ذلك يعتمد على الحصول على قروض من البنوك، وهو ما سيكون تحديا حقيقيا في المستقبل القريب"،مشددا على أن "خسارة هذه القروض تعتبر مشكلة كبيرة لمزارعي العالم الفقراء".
التزام دول وتهرب أخرى
على الرغم من توجه بعض الحكومات والدول الى تخفيض حجم مساعداتها الانسانية بفعل الازمة، الا ان هناك بعض الدول لا تزال محافظة على التزاماتها كالحكومة الاميركية التي وبحسب زاتشريتز سيبقى تمويلها على المستوى نفسه الذي كان عليه في عام 2008، عازيا ذلك إلى أسباب عدة، منها أن دورة التمويل تبدأ من أكتوبر 2008 إلى نهاية سبتمبر 2009، وأنه عام الانتخابات، كما أن الكونغرس قد وافق على قرار يقضي بالحفاظ على ثبات التمويل الحكومي الأميركي. بالاضافة الى ذلك تتعهد بعض الحكومات بالوفاء بالتزاماتها، حيث بلغت المساعدات الإنسانية الكلية للنرويج 2.459 مليار كرون (425 مليون دولار) في عام 2007 مقارنة بـ 2.588 مليار كرون (447 مليون دولار) في عام 2008، في حين ستبلغ قيمة المساعدات 2.445 مليار كرون (422 مليون دولار) في عام 2009. ويرجع السبب في انخفاض قيمة المساعدات في 2009 إلى تغيير فني في الموازنة.
النرويج دولة مانحة اساسية
وقال مستشار وزارة الخارجية للشؤون الإنسانية سيغفالد هوغ، لـ"أرين"، إن "إجمالي موازنة المعونات الإنمائية النرويجية بما في ذلك المساعدات الإنسانية سيصل إلى واحد في المئة من إجمالي الدخل القومي في عام 2009 وذلك للمرة الأولى". وأضاف، "هناك إجماع كبير بين المواطنين النرويجيين وبين الأحزاب على أن النرويج ستكون دولة مانحة أساسية في المجال الإنساني. وما لم يقرر البرلمان خلاف ذلك عندما يصوت على الموازنة الحكومية في ديسمبر، فإننا لا نتوقع أن يصبح الخفض في المساعدات ضرورياً".
استراتيجيات المنظمات غير الحكومية
امام هذا الواقع المؤلم والمأساوي الذي ينذر بالمزيد من الاوضاع الانسانية المزرية، تحاول المنظمات غير الحكومية ابتكار طرق جديدة للخروج من الضائقة المالية، كأوكسفام التي تستهدف زيادة التمويل من المؤسسات المانحة، والتي ينظر إليها كمصادر أكثر ثباتاً على المدى الطويل، ومنظمة إنقاذ الطفولة التي تحاول استخلاص المزيد من التمويل من الأفراد الأثرياء. وفي هذا المجال، اشارت تانيا ستيلي الى انه "ستكون هناك سوق تنافسية ولكنني لا أستطيع أن أُصدق أننا لن نحقق نمواً في فترة أربع إلى ست السنوات القادمة. هناك بعض الدلائل المشجعة في ظل حالة عدم اليقين السائدة، وتقوم المؤسسات المانحة الرئيسة مثل وزارة التنمية الدولية البريطانية أو الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بتبني تصورات طويلة الأجل. ونحن لا نرى أي مؤشرات عاجلة تدل على أنهم سينسحبون".
ولكن جون شو أفاد أنه من المبكر القول بأن تلك الاستراتيجية سوف تدوم "وفي نهاية الأمر فإن التمويل الحكومي سيتوقف على محاولة الحكومات تحقيق التوازن بين موازناتها وسياساتها، ولذلك فإنه من المبكر جداً التكهن بالنتائج ولكن التعهدات التي قُطِعَت حتى الآن تبشر بالخير". أما روبرت زاتشريتز من وورلد فيجن فقال أن منظمته محصنة بدرجة كبيرة من تخفيض تمويل الشركات لأن الحجم الأكبر من تبرعات الشركات للمنظمة يأتي في صورة هدايا عينية، وبعبارة أخرى يأتي في صورة دواء وملابس ومواد بناء وليس أموالاً.
علاوة على ذلك، فإن المنظمة تعتمد في كفالة الأطفال على الكثير من التبرعات الفردية. وأردف روبرت قائلاً: "الناس مخلصون جداً لتلك القضية وعادة لا نرى انخفاضاً في تمويلهم حتى في الوقت الذي تمر فيه الأسر بصعوبات مالية". تجدر الاشارة الى ان الامم المتحدة كانت قد طلبت في 19نوفمبر الماضي خلال إطلاق عملية المناشدة الموحدة CAP في جنيف، الحصول على مبلغ
7 مليارات دولار
وهو أكبر مبلغ تطلبه حتى الان لمساعدة 30 مليون شخص في افريقيا والشرق الأوسط في عام 2009.
وتجمع هذه المناشدة 360 منظمة أممية ومنظمة غير حكومية تعمل في 31 بلدا معظمها في افريقيا. 7 مليارات تشكل بضعة سنتات وقد شكل المبلغ المطلوب لكل من جمهورية الكونغو الديموقراطية والسودان والصومال اكبر جزء من المناشدة، حيث جرى طلب 831 مليون دولار للكونغو التي تعاني منذ اكثر من عقد النزاع ومبلغ يفوق الملياري دولار لتمكين الامم المتحدة ومنظمات الاغاثة من مساعدة السودان، و919 مليون دولار للصومال الذي يمزقه العنف ويضربه الجفاف.
وتعتبر الولايات المتحدة والمفوضية الاوروبية والسعودية من اكبر الدول الممولة لمناشدة عام 2008، في حين جاء السعوديون في المركز الاول من حيث نسبة المساعدات من الناتج المحلي الاجمالي، اذ انفقوا 16،0 في المئة من دخلهم القومي على المساعدات. وتشكل الـ7 مليارات التي جرت المطالبة بها بالنسبة للدول الغنية بضعة سنتات فقط مقابل كل 100 دولار من دخلهم القومي.

الجمعة، 12 ديسمبر 2008

مراهقات القرن 21 يستمتعن بكتب الرعب والخيال العلمي

"الصوت" رصدت الولع الجديد الفتيات يقبلن على "حافة" الرعب
و
"موسوعة الظلام" لا تخيفهن
الهوس الجديد أسقط قصص الرومانسية بالضربة القاضية
كان حشدهن اليومي أمام جناح كتب الرعب والخيال العلمي طيلة أيام معرض الكويت الدولي للكتاب لافتاً للانتباه، يقفن ويتصفحن ويشترين الكتب مستمتعات بما يقمن به، هن عينة من مراهقات الكويت اليوم.
تتحدث مع الواحدة منهن فسرعان ما تكتشف أن قصص الحب والرومانسية لم تعد أمورا تثير متعة بعضهن، الحب والرومانسية كلها علامات خاضعة للعادي من الحياة أو موضة قديمة تآكلتها أقلام الكتاب ونفر منها القراء، اليوم كتب الرعب والخيال العلمي والماورائيات تتصدر قائمة المبيعات في المعرض منذ اكثر من خمس سنوات.
الضربة القاضية
هي منافس من الدرجة الأولى استطاعت أن تطيحها بالضربة القاضية لتفوز بامتياز بقلوب بعض مراهقات القرن الواحد والعشرين، "الصوت" في هذا التحقيق تحاول أن تلامس التغيير الحادث لدى بعض المراهقات في الممارسات والأفعال من خلال محاولة تبين انعكاسات مفهوم الرعب والمتعة من خلال المطالعة.
فما هو ميول المراهقة الكويتية اليوم؟ وما أسباب الالتفات إلى أدب الرعب؟
وما رأي الأسرة والمختصين في هذا التوجه؟
انتصار الرعب على الرومانسية
"عيالنا صاروا ما يخافون، كل شيء عندهم عادي يتفرجون على أفلام الرعب عادي، إحنا في زمانهم نطالع الكتب الرومانسية ولما نشوف فيلم رعب نفضل ما ننام أسبوع وهم عندهم عادي"، هذه الجملة الواردة على لسان إحدى الأمهات تنم عن وجود مفارقة شاسعة بين مراهقات زمان ومراهقات القرن الواحد والعشرين.
مفارقة تنبني بالأساس على تغيّر في مفهوم المتعة والرعب.
وبالرجوع إلى الموروث الموغل في القدم والموروث المخضرم نجد أن متعة الفتاة المراهقة لا تتجاوز التعلق بقصص الحب والرومانسية، ومن ثم الحلم بفستان أبيض وفارس يأتي راكبا جواده، حتى البرامج الكرتونية كانت تتعلق بالأساس بهذه المضامين، هذه الأدوات من كتب وأفلام كانت كفيلة لتحدث المتعة وبالتالي فعل الحلم والرومانسية وتؤسس لخيال رومانسي.
على ما يبدو واستنادا لأقوال الأمهات وبعض مراهقات اليوم الأمر اختلف، لم تعد المتعة عند بعضهن تتحقق بمطالعة الروايات الرومانسية والمسلسلات ذات النهاية السعيدة، بل أصبح مصدرها أفلام الرعب والخيال العلمي بدرجة أولى -كرتونية أو غيرها- ثم أدب الرعب والخيال العلمي بدرجة ثانية.
ما يجعلنا نلاحظ تحولا ملفتا في مفهوم المتعة وبالتالي في مصدرها من جهة، وتحول في مفهوم الرعب والإحساس به من جهة أخرى، فبعدما كان الرعب حدثا يثير الخوف الشديد أصبح اليوم دافعا يثير المتعة، وتحول ثالث من الخيال الرومانسي إلى الخيال العلمي.
وهذا قد يعتبر مؤشرا يشي بتغيّر في ميول المراهقة بين الأمس واليوم. هذا الاختلاف بحد ذاته، من دون اتخاذ موقف منه، قد نعتبره منطقيا باعتبار أن رؤى الفرد وملامحه تتغير من جيل إلى آخر وقد تطول أدق الجزئيات التي قد لا ينتبه إليها البعض وينتبه إليها الكثيرون، معلنة عن مدى اتساع الفجوة بين الأجيال على مستويات عدة، ومعبرة عن تباعد منطقي يفرزه قانون التطور. من هذه النقطة بالذات يمكن لنا أن نعرف مدى ارتباط الزمن بالأفراد ومدى تغير اختياراتهم وميولهم.
عالم آخر
تحب نور فتاة الثانية عشرة مثلها مثل صديقاتها هذا النوع من الكتب لما تقدمه لها من مواضيع غريبة لا تتعرض إليها في واقعها اليومي، وفي الوقت نفسه مثيرة إلى درجة أنها تجعلها تعيش في عالم آخر.
عندما تنضم الغرابة إلى الإثارة تتحقق المتعة لدى أحباء هذا النوع من كتب المطالعة.
"فشباب اليوم يحبون استكشاف المفقود أمامهم، هم مستعجلون على معرفة المستقبل والحديث عن الماورائيات يستهويهم إلى درجة كبيرة"، كذلك تحاول أم نور أن تفسر لنا سبب تلهف الشباب على هذه الكتب، "فغريزة حب المعرفة واكتشاف المجهول تشتغل بصفة مكثفة عندهم".
معرفة المجهول
تساندها في الرأي إحدى الأمهات مضيفة أن "الرغبة في معرفة المجهول بالنسبة إلى هذا الجيل يعدّ أمرا فطريا باعتبار أنه في هذه السن يحاول الاستقلال بشخصيته وبالتالي تبدأ عملية النضج الفكري لديهم"، وتشير إلى أن الموهوبين تبدأ العائلة في اكتشافهم انطلاقا من هذه السن.
الخوف لا تشعر به هاويات هذا الأدب، فقط المتعة هي وحدها التي تكتنفهن.
قصص الرعب "حلوة وايد"
حلا واحدة من بين الكثيرات اللائي تحدثنا معهن، كم مرة تمنت أن يطول يومها إلى أكثر من 24 ساعة لتتم فيه مطالعة القصة... تمسك بالكتاب، تلتهم الكلمات والأسطر فالصفحات حتى تجد نفسها أنهت قراءته مهما كان حجمه وغالبا لا تنام إلا بعد أن تستكمله ولا تدري كيف... فهذا النوع من الكتب "حلو وايد... وايد".
قاسم مشترك كذلك يتفق هواة أدب الرعب والخيال العلمي على تقييمه. هذا الحرص من المراهقات على اقتناء هذا النوع من الكتب أصبح قاسما مشتركا بينهن، ولعله يعدّ سببا لتوطيد علاقتهن كما هو حال محدثتنا إيلاف "أنا وكل صاحباتي نطالع نفس الكتب وربما في أحيان كثيرة أصبحت قاسما مشتركا بيننا وتوطد العلاقة بينناوتفتح أمامنا مواضيع كثيرة للمناقشة"، وتضحك: "نتباهى بعدد الكتب التي نملكها ونقرأها"
الأولى في المبيعات
ليس غريبا أن تحتل كتب الرعب والخيال العلمي لمكتبة ديموند الطارحة لهذا النوع من الأدب المرتبة الأولى والثانية في عدد المبيعات في معرض الكويت الدولي سنوياً إذا ما كان لها قراء على هذه الشاكلة. فقد احتل كتاب عشاق الادريانين المرتبة الاولى هذه السنة محطما رقما قياسيا بما يتجاوز 1300 نسخة.
وفي سنة 2007 احتل كتاب الحافة المركز الأول، حيث بيعت 825 نسخة. وفي سنة 2006 احتل كتاب هادم الأساطير المركز الثاني ببيع 780 نسخة، وفي سنة 2005 حطمت موسوعة الظلام الرقم القياسي في عدد المبيعات 930 نسخة، وتكون بذلك احتلت المركز الأول، وسنة 2004 احتلت قصة خلف أسوار العلم المركز الأول ببيع 800 كتاب. وجدير بالذكر أن أغلب هذه الكتب طبعت منها نسخة ثانية بعد نفاد الطبعة الأولى خلال بضعة أشهر، كما نفدت الطبعة الثانية من بعض الكتب.
ولع فوق السيطرة
أمام هذا الولع الظاهر بكتب الرعب والماورائيات تبقى بعض الأمهات مذهولة ولا تكاد تكتشف السبب الأساسي وراء هذا الولع من دون أن تستطيع الحد منه، السيدة أم غانم لا تتوانى في أن تصطحب ابنتها نور لتختار بنفسها الكتب التي تروق لها من دون أن تكون لها السلطة الكلية على تحديد اختياراتها، "فالحرية حسب رأيها مهمة جدا لصقل الشخصية، على أن تكون مبنية على أسس ومعايير معينة تحددها طريقتها في التربية "، زارت المعرض ولا تجد سوى أن تبتسم أمام كثافة عدد المقبلين على جناح كتب الرعب، "لست أدري ما الذي يجذبهم إلى هذا النوع من الأدب، رغم محاولاتي فهم هذا الانجذاب إلى حد الانسحاب الكلي، فإن عقلي لا يسعفني بالرد المقنع، خليهم ينبسطون"، رغم هذه الحيرة وعدم القدرة على فهم "الظاهرة" تلبي الأم في حالات لا نستطيع أن نتكهن عددها رغبة بناتها وتضعها تحت بند الحرية الشخصية.
حرية الاختيار
هذه النقطة بالذات تؤكدها أم حمد وهي مختصة في علم النفس والجغرافيا، فهي لا تحجر على ابنتها في اختيار كتاب وإنما تمنحها هامشا من الحرية باعتبار أن اختيار نوع كتاب المطالعة يساعد على تنمية الشخصية حسب رأيها، ولئن كانت أم سليمان تأخذ الأمور ببساطة ومن قبيل إرضاء ابنتها والابتعاد عن "وجع الرأس" فإن أم حمد تشتري هذا النوع من الكتب لابنتها عن وعي، معتبرة إياها وسيلة تشبع رغبة الشباب في الاستكشاف والاستطلاع ومعرفة المجهول وفك الغموض على أن تكون في حدود الثوابت التربوية التي أسست عليها باعتبارها لا تثير مسألة الخوف والظلام لمجرد الخوف وإنما تنبني على هدف معين وتستند إلى ثوابت علمية وأدلة منطقية تجعل القارئ يكتسب أسلوب الحجاج والإقناع، وبذلك تقول محدثتنا "أكون قد ضربت عصفورين بحجر واحد، من جهة أشبعت رغبتها في الاطلاع على المجهول ومنحتها فرصة لتتعلم كيف تدافع عن مواقفها بالاعتماد على أدلة وحجج من جهة أخرى، وهذا أمر مهم بالنسبة إلى شخصية الشاب، كل هذه الايجابيات أحصل عليها بمجرد شراء كتاب واحد".
الخيال العلمي في قفص الاتهام
ماذا ننتظر من جيل يستمتع بالرعب وينشأ على ثقافة الخوف إلى حد الرّعب؟ ينبغي علينا أن نطرح هذا السؤال على أنفسنا، وينبغي علينا ألّا نحاسب هذا الجيل على شيء نحن نوفره له، كما ينبغي علينا أيضا ألّا نحاسبه مستقبلا على تصرفاته أو على عدم اكتراثه بالواقع والهروب منه إلى الخيال العلمي، بكل حدة فرضت السيدة أم مازن نفسها وتدخلت في الحديث وهي تستمع إلى إحدى المتحدثات إلينا، بعصبيتها في الحديث، أرادت أن تعفي الجيل الحاضر من مسؤولية "هزاله الفكري" مستقبلا، ملقية اللوم الكلي على العائلة لأنها لا تقوم بدورها -حسب رأيها- في النصح والإرشاد والوقوف وقفة جدية في اختيارات أبنائها، باعتبار أنهم في سن تكون فيها اختياراتهم في أغلب الأحيان غير صائبة وهنا، في اعتقادها، يأتي دور وزارة التربية في مرتبة ثانية في حال عجزت الأسرة عن تقويم الاعوجاج في تربية أولادها، وفي الحالة التي نتحدث عنها ترى أم مازن أن ما يسمى أدب الرعب والخيال العلمي لا يضيفان شيئا إلى تكوين شخصية الطفل وإنما يكسبانه ميولا نحو العنف أو الخوف، وهذا حسب رأيها "لا نحتاجه لأجيالنا المقبلة كدول عربية وإسلامية، وعلينا أن نستفيق ونعيش في الواقع لكي نفهمه ونستعد للعيش فيه، خصوصا أننا في مرحلة صعبة نحتاج إلى مزيد من العلم وليس الخيال العلمي، ومزيد من الثقة وليس الخوف".
اختلاف الرؤى والأفكار
عرضت السيدة أم مازن الأمور من زاويتها الخاصة جعل رد أم هاني أمرا لا يحتمل تجاوزه. "كل الاختراعات ابتدأت بخيال علمي وبفكرة بدت في البداية غير معقولة التنفيذ، وهو لا يعني بالضرورة الخوف أو الابتعاد عن الواقع وإنما تصويره بطريقة مستقبلية، فما الضير لو تركنا العنان لمخيلة أولادنا لكي تحلق في فضاء المستقبل؟ بالعكس نحن بحاجة إلى الخيال العلمي نربي أطفالنا عليه لكي نضع في أذهانهم إمكانية تحويل الخيال إلى علم ويقين، وينبغي علينا ألّا نربيهم على أسس التفكير ذاتها التي تربينا عليها، لكي لا نخلق جيلا متكررا ويجتر نفسه، فلكل جيل ميوله وذوقه وبالتالي طرق التربية"، كذلك كان الرد من أم هاني ردا حانقا، "نحن هكذا دائما نحاول كبت كل ما هو جديد ونفضل التقوقع على أنفسنا، فمن السليم ونحن كما قلت نعيش في مرحلة صعبة، فمن الضروري أن ننفتح على الخيال العلمي لأنه خطوة للانفتاح على الاختراعات العلمية".
كان هذا الجدال العفوي على حدته نوعا ما يشي باختلاف في الأفكار والرؤى حول تربية أجيال الغد، اختلافا لا يعدو أن يكون نتيجة لاختلاف في المنطلقات والمنظومات الثقافية، ولئن كان أدب الرعب والخيال العلمي من جهة، و"الصوت" من جهة أخرى قد ولدا هذا الجدال في معرض الكويت الدولي للكتاب، فذاك من النقاط الايجابية التي بيّنت بوضوح ما يتسم به المجتمع الكويتي من تنوع وتغير طبيعي يفرزه قانون التطور.

الثلاثاء، 9 ديسمبر 2008

البحرين: التحقيق مع صحفية على خلفية كتاباتها عن سياسة التمييز التي تمارسها الحكومة

ديسمبر / كانون الأول 2008المنامة – البحرين
** البحرين: التحقيق مع صحفية على خلفية كتاباتها عن سياسة التمييز التي تمارسها الحكومة**
** مركز البحرين لحقوق الإنسان– BCHR **
ورد إلى علم مركز البحرين لحقوق الإنسان أن السيدة مريم الشروقي- صحفية وكاتبة في جريدة الوسط- قد تم استدعائها يوم الاثنين الموافق 1 ديسمبر من قبل النيابة العامة والتحقيق معها بتهمة نشرمقال "يضر بالوحدة ويثير الفتنة الطائفية بين المواطنين". وقد قام بالتحقيق مع الشروقي نواف حمزة- رئيس النيابة- الذي قرر تأجيل القضية لحين استدعاء صديقة الكاتبة لتأكيد المعلومات التي وردت بالمقال المشار إليه.
و قد تركز التحقيق مع الشروقي في أقوال ديوان الخدمة المدنية التي اتهمها بإهانة الديوان بعد أن اتهمته بممارسة سياسة التمييز الطائفي بين المواطنين بناءا على انتماءاتهم السياسية، إضافةً إلى الادعاء كذباً وافتراءً بشأن واقعة تقدمها وصديقتها لشغل وظيفة عن طريق ديوان الخدمة المدنية، والحوار الذي دار بينهما وبين الموظفين بشأن التمييز في التوظيف.
و في تصريح لجريدة الوسط، قالت الشروقي انها أخبرت رئيس النيابة بأن:" هناك تمييزاً وتمايزأ وأنها سياسة مطبقة فعليا", و استطردت قائلة:" ذكرت تجربتي الشخصية في التقديم لوظيفة مع صديقة لي في مكتب الخدمة المدنية".
وصرح نبيل رجب- رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان- أن:" مقاضاة الصحفية مريم الشروقي تعد مثالا آخر لتدهور مستوى حرية التعبير والصحافة في البحرين وضيق صدر السلطة عند استماع منتقدي سياستها".
و أضاف رجب:"يجب على السلطات البحرينية التوقف عن رعاية وممارسة سياسة التمييز الطائفي الممنهج، لاسيما ضد أبناء الطائفة الشيعية، وضد كل من تعتبرهم السلطة معارضين لسياستها، بدلا من العمل على إسكات أصوات الصحفيين والكتاب الذين يسلطون الضوء على هذه السياسات المناهضة لحقوق الانسان ".
آيفكس – أنباء من الشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرية التعبير

الاثنين، 8 ديسمبر 2008

في ذكرى مرور 60 عاماً على إعلان حقوق الإنسان... أين العالم من شعار "الكرامة والعدل "


ودول العالم تحتفل هذه الايام بمرور ستين عاماً على اعلان اليوم العالمي لحقوق الانسان، نتذكر الفكرة الرئيسة التي انطلقت بها هذه السنة " الكرامة والعدل لنا جميعا" ونتساءل عن مدى تحقيق شعوب العالم والحكومات لهذا الشعار.
فسرعان ما يخطر ببالنا بالضرورة الواقع الذي ترزح تحته غزة، حيث إن "أكثر من 50 في المئة من الأسر تعيش دون خط الفقر، بينما وصلت معدلات البطالة في القطاع إلى 42 في المئة وهي من أعلى المعدلات في العالم"...
ونذكر واقع الشعب العراقي وما يعيشه من ظروف صعبة تجاوزت الامن إلى الصحة، حيث سُجلت حوالي 500 حالة إصابة بالكوليرا منذ بدء انتشار المرض في شهر أغسطس الماضي، دون أن ننسى شعوبا كثيرة، ودون تحيز لدين او مذهب او عرق او لون، منها الصومال التي تفاقمت محنتها بشكل كبير هذا العام بارتفاع عدد الأشخاص الذين هم بحاجة للمعونات من حوالي 1.8 إلى 3.2 ملايين شخص، وتعاظم مشكلة سوء التغذية بين الأطفال، مع بقاء وصول عمال الإغاثة إلى المحتاجين محدوداً بسبب الهجمات المتكررة.
ونتذكر دارفور وتعرض 280 ألف شخص للنزوح في الأشهر الستة الأولى من هذا العام مع استمرار الهجمات على عمال الإغاثة، وكذلك جمهورية الكونغو الديموقراطية وما تتعرض له منذ اكثر من عقد من النزاع... 3,500 طفل تقريباً يخدمون لدى القوات المسلحة والمتمردين... ونتذكر سجن غوانتنامو...والتعدي على حقوق المواطنين في الدول الآمنة والناشطين في حقوق الانسان والصحافيين، وغيرها من المظاهر التي تعيشها الانسانية ولا تمد بأي صلة إلى مبادئ الكرامة وتحقيق العدالة.
اليوم العالمي ليس ترفاً
فاليوم العالمي لحقوق الانسان لا يعتبر ترفاً أو قائمة أمنيات، وانما هو رؤية تعزز لحقوق الإنسان، كالتزام بالكرامة والعدل للجميع.
فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقيمه الأساسية، وهي كرامة الإنسان المتأصلة، وعدم التمييز، والمساواة، والعدل، وشمول الجميع، تنطبق على كل شخص من دون اعتبار لمكانه أو زمانه.كما لا تعتبر حقوق الإنسان مجرد تراث مشترك لقيم عالمية تتسم بتجاوز حدود الثقافات والتقاليد، بل إنها تشكل -أساسا- قِيَماً محلية والتزامات قومية تستند إلى معاهدات دولية ودساتير وقوانين وطنية.
وجدير بالملاحظة أن الاحتفال على مدار العام بالذكرى السنوية الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يرمي إلى أن يكون حدثاً شمولياً بقدر الإمكان، وأن يركز على دور الناس في جميع أنحاء العالم بوصفهم الأمناء على الإعلان والمستفيدين منه كذلك.
وإحياء هذه الذكرى التي يتصدرها الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، يشمل أسرة المنظمة والقطاعين العام والخاص، ووسائط الإعلام والمدارس ورجال الفن وسائر ممثلي المجتمع المدني في شتى أنحاء العالم، باعتبار ان الاعلان يهمّ بالاساس الانسانية من دون اي اعتبارات او مرجعيات.
قد يكون مهما ان نحتفل بهذا اليوم العالمي، لكن قد يكون من الاهم ان نعمل جميعا على نشر هذا الاعلان، وهو متاح الآن بأكثر من 360 لغة، وهو أكثر وثيقة تُرجمت في العالم في سبيل ان يعرف الجميع حقوقه وواجباته من جهة، ولكون اغلب المتضررين ليست لهم ثقافة حقوقية تحميهم في حالة الجور عليهم، وهذا ما ركز عليه بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة قائلا: "إن من واجبنا أن نكفل أن تكون هذه الحقوق واقعاً حياً ، وأن يعرفها ويفهمها ويتمتع بها الجميع، في كل مكان.
وكثيراً ما يكون أولئك الذين يحتاجون أشد الحاجة إلى حماية حقوقهم الإنسانية، هم الذين يحتاجون أيضاً إلى توعيتهم بوجود الإعلانس، وبأنه موجود من أجلهم".

الأحد، 16 نوفمبر 2008

لبورصة عندما تصبح أفيونا...حكايات من الانكسار والانتصار


رجال تخونهم الظروف والبورصة، فينهار البعض منهم بانهيارها. لا يكاد الواحد منهم يُلملم ما تبقّى له من قوة ليخرج من قاعة الأوراق المالية، وإن خرج، فقد تذهب به الصدمة الى نسيان مكان سيارته من الموقف.
بعضهم يرتبط مزاجه بمزاج هذا السوق، وبما ان مزاج هذا الاخير متعكّر الى ابعد الحدود.. فمزاج بعضهم بالتالي كان امس واليوم متعكرا الى ابعد الحدود...
بين ارتفاعها النسبي، وانخفاضها المستقر، وايقاف التداول تبقى للمتداولين على شاكلة كل البلدان التي طالتها الازمة قصص وحكايات تقدمها “الصوت” لاحباء المغامرة.
صدمة الخسارة مخدّر؟
“الوقت فات للتراجع والتخلّي عن هذا الهوس، وقد خلفت البورصة الدم في عروقي، ورهانا ينبغي علي تحديه لاسترجاع ما خسرته” كذلك يرى أبوجاسم، وهو رجل في الخمسين من عمره، دخل البورصة عن هوى، وهو اليوم لا يتخيل نفسه يخرج منها مهزوما خاسرا، وان استرجع خسارته كذلك لن يخرج منها، جدلية يعيشها أبوجاسم بين الربح والخسارة، بين النكسة والفرح، فالنكسة تحثه على الركض خلف الفرح...والفرح بدوره يدعوه بالحاح لاقتفاء المزيد منه، حاله حال الكثيرين في الكويت وفي الخليج وفي كل قُطر من عالمنا الكبير.
أصبحت البورصة بالنسبة إليهم افيون العصر على حد تعبير أحد المتداولين.
هذا الركض الدوري المنتظم متعة عند البعض وشغل الشاغل لدى البعض الآخر، فالتحدي كما يفسره الاختصاصيون ميسم يدخل طعما على الحياة البشرية ولا يقف على عرق من دون آخر او مذهب من دون آخر او لون او بلد، وانما يحدد هوية الاشياء، فمدى قدرة الانسان على التحدي والاستمرار والصمود تحدد نوع الشخص.
هذا المنطق يؤكده عاشق من عشاق البورصة أبوظافر، الذي رغم صغر سنه نسبيا (37 سنة) ورغم عمله كمحاسب في احدى الشركات الخاصة، فانه عاشق للبورصة من درجة اولى...كيف لا وهو يلعب في مجال الارقام والحسابات باعتبار اختصاصه في المحاسبة، تهزه الازمة والخسارة، لكنه لا يتوانى ان يتمسّك بها، حاليا خسر الكثير من مدخراته ومدخرات اخوانه، لكنه لا يتأثّر كثيرا وانما يعتبر الامر عاديا، فكذلك هي سوق الاوراق المالية “مرة فوق ومرة تحت” حسب اعتقاده، الازمة محلية وعالمية والكل تأثّر بها ويتأثّر يوميا، فهي ازمة ليست فردية خاصة لينهار”.
بهذا المنطق المعتدل يتقبّل محدثنا الخسارة “بكل روح رياضية”، ولسنا ندري هل هي مكابرة منه ورغبة في عدم اظهار ضعفه أمام “المصاب” او حرارة الالم من الخسارة تصل ذروتها لديها فتنقلب بردا وسلاما، أم تراها رصانة وقدرة فائقة على تحمّل الخسارة قوة وعقلنة؟
ومهما كانت دوافعه لهذا الهدوء الظاهري، فان ما يبدو على محيا محدثنا ينبئ الى حد ما باقتناع بموقفه تجاه الخسارة، نتمناه ان يكون منطقا يتحلّى به المتداولون صبرا وتصبّرا.
البورصة تكسر شوكة الرجال
ولئن كانت بعض العينات من المتداولين تقوى امام “الفاجعة” كما يلقّبها أبومازن، الا ان البعض منهم لا يكاد يقوى امام انهيار ماله ومدخراته ومدخرات اسرته، وربما ضياع بيته وحتى سيارته.
“خراب ديار مستعجل”، بعدما كانت السوق المالية تعمّر ديارا وتبني اخرى، وتملأ رصيد البعض، اصبحت اليوم طوفانا ماردا يسحق ارصدة المتداولين، ويدمّر بعض الديار ويفرغ ارصدة البعض.
السيد أبومازن واحد من هؤلاء المعتقدين بما نقول، فحسب رأيه: لا شيء يقف امام هذا المارد، فمع انهيار سوق الاوراق المالية، لا حساباتنا البنكية بقيت، ولا مدخراتنا، وارصدتنا لم تعد مثلما كانت، ولا حياتنا نعيشها مثلما كنا نعيشها، ولا بقيت الابتسامة تضيء حياتنا...
هذا بعض مما اصبحنا نعيشه ويعيشه غيرنا في العالم”.
بمرارة كبيرة، يعترف أبومازن بالهزيمة امام ما هيأ له البعض لتلاقي حدة الازمة، فقد شغلنا نواقيس الانذار بصفة متأخرة، الكل حسب لها الف حساب واستشرف مخاطر الازمة ونتائجها وبالتالي اعد لها العدة الا نحق، وها نحن نجني ضريبة غياب الاستراتيجية في معاملاتنا المصرفية خلال الفترة الراهنة”.
كذلك، يقيّم أبومازن الوضع، فرغم انهياره النفسي الواضح، فانه استطاع ان يحلل الوضع بطريقة تنبئ عن حكمة وتشي بمرارة الرجل. متداولون يقفون واجمون شاردو الذهن امام شاشات عملاقة تفضح خسارتهم.
الكثير منهم يلتزم الصمت في ذهول ووجوم، والبعض الآخر منهم يكون سلاحه الصراخ ولعن البورصة وطلب اللطف، والبعض الآخر قد لا تقوى رجلاه على حمله، فيهوي ارضا كما تهوى الاسهم. واحد من بين هؤلاء يصرّح لـ”الصوت” : “البورصة كانت سببا في كل “اللخبطة” التي اعيشها في بيتي وجسمي، في البيت لا شيء غير المشاكل، اعترف انني صرت لا اطاق ولا احد يعذرني في البيت، كذلك جسمي صارت فيه “لخبطة” “ أبو أحمد رجل في العقد الخامس اكسبته البورصة الكثير، وهي اليوم تأخذ منه الكثير على حد تعبيره.
ولعل أهم ما اخذت منه، اضافة الى مدخراته، صحته، فهو اليوم مصاب بمرض السكري والضغط ويخشى على نفسه من تفاقم المرض وارتفاع الضغط، لذلك أصبح سلاحه الوحيد رياضة المشي والنرجيلة والانفراد بنفسه بعيدا عن العائلة، وقد خسر جميع افرادها تقريبا مدخراتهم بسببه، وكذلك بعيدا عن أصدقائه، هو اليوم لا يقوى إلا على الانتظار.
شخصية المتداول
بين الصمود امام انهيار البورصة وايقاف التداول، تختلف مواقف المتداولين باختلاف نفسياتهم وشخصياتهم، ولئن كانت في أحيان كثيرة تعبّر عن شخصية المتداول، إلا أنها في أحيان كثيرة تشي بعدم قدرة البعض على الصمود أمام الخسائر التي تفرزها رغم قوة شخصياتهم وجلدهم امام مواقف صعبة، لان الوضع فاق كل التوقعات.

الخميس، 13 نوفمبر 2008

شذرات من الواقع الكويتي 2

كانت تتكلم، تصرخ، تتأوه، تبكي ... أفعال تقوم بها في استرسال يصعب إيقافه، تواصل حديثها من دون انقطاع، ومن دون اكتراث لنا إن قطعنا حديثها... تغمسه بالدعاء على الأطباء تارة وتعقبه بالنصيحة مرات كثيرة... كلامها قرارات كانت تحكمها لحظات الألم التي تعيشها وتشرك عائلتها فيها غصبا عنها.
قد نعذرها عليها وقد نرقّ لحالها... وفي الحالتين لا نملك إلا أن ندعو لها بالصبر. "لو أموت من الألم لن أتعالج هنا مطلقا في الكويت، حتى الأدوية وإن كانت مسكنات لن آخذها".
هذه كانت بعض الكلمات القرارات التي صرخت بها محدثتنا لـ"الصوت" في محاولة منها للثأر لنفسها... أقوى حل عندها أن تفضفض لـ"الصوت" وبقية الحلول تراها غير مجدية حتى القانونية منها. هذا القرار، على ما يبدو عليه من انفعالية، قد ينذر بالخطر في بلد تمثل الجاليات الوافدة فيه ثلثي عدد السكان الذي يبلغ حوالي 3.2 ملايين نسمة.
وما يزيد في خطورة الموقف أن المتحدثة تتعدى التصريح بقرارها إلى التحذير والنصح بعدم العلاج هنا في الكويت... "أنصحك بلاش علاج هنا في الكويت"...
هذه الكلمات رغم أنها حاملة لدرجة كبيرة من الألم تجعل، التساؤل مشروعا حول كفاءة بعض الأطباء في بعض المستشفيات من جهة ومدى صدقية ضميرهم المهني.
محدثتنا اليوم لم تكن لتتوقع المرض بالزكام يوما، فإذا بها تجد نفسها ذلك اليوم أمام مرض عضال لم يرحم قبلها رضّعا وأطفالا لم يبصروا من الحياة شيئا ولم يفقهوا معنى الظلام والدموع، رغم صراخهم وبكائهم لحظة ميلادهم. هي آلاء فتاة مصرية مقيمة في الكويت مع زوجها، لم يمر على زواجها إلا أشهر قليلة، هي اليوم بعد مضي أيام تعيش ولادتها من جديد بعد آلام نفسية رافقتها وتجاوزتها، لتنتشر بين أفراد أسرتها وأسرة زوجها... آلام كان البطل فيها بالدرجة الأولى وبتميز أحد المستشفيات المعروفة في الكويت... تعيش هذه الأيام لحظة ميلادها الثانية.
ابتدأتها ككل مولودي العالم بكاء، غير أن الفرق بين ولادتيها الأولى والثانية يكمن في مدى الوعي بالبكاء. كان بكاؤها في لحظة ميلادها الأولى عن غير رغبة منها، وعن غير فهم وإحساس به، لحظة ميلادها الثانية كان البكاء فيها طواعية وبإصرار المحب للحياة، الراجع للحياة، الممنوح فرصة أخرى للحياة والتصالح مع الجميل فيها والسيئ.
آلاء فتاة السابعة والعشرين كانت ككل الفتيات تحلم بفارس أحلام تختاره، فكان لها أن وهبها القدر ما تمنته، ولأن الله كريم يعطي من دون حساب، فقد استفاض كرمه عليها وكرمها بأن تكون حاملا منذ أشهر زواجها الأولى... غير أن الفرح كان عمره قصيرا لم يتجاوز أسابيع، انتهت بها إلى تقرير طبي يؤكد سقوط حملها، وبالتالي سقوط أحلامها أرضا.
لم تتوقف آلامها عند هذا الحد، وإنما اكتشفت إصابتها بورم خبيث حسب تقرير طبي مكثف صادر عن مستشفى له صيت واسع في الكويت. كيف لا وهو الملقب بالمستشفى (....)... الكشف عن الأسماء لا يعنينا بالدرجة الأولى بقدر ما يعنينا لفت النظر إلى بعض الأخطاء الطبية في بعض مستشفياتنا هنا في الكويت... لنعلم بأن الخطأ وارد في كل المستشفيات من دون استثناء، باعتبار أن من يعمل في تلك المؤسسات هو إنسان لا يخضع إلى قانون الكمال... ولأن الإنسان بشر يسمح له بالخطأ أو السهو، فإن في بعض الحالات يكون الخطأ فيها غير مسموح، خاصة إذا كان مؤديا إلى كارثة تكون نهايتها قتل نفس بشرية عن غير قصد، كما هو الحال بالنسبة إلى محدثتنا.
حسب التقرير الطبي والصور بالصدى والأشعة ثلاثية الأبعاد وسلسلة من الفحوصات التي استنزفت أرقاما كبيرة لها، أثبت سقوط حمل آلاء، وبناء على تلك التقارير الطبية الصارمة خضعت محدثتنا إلى فحوصات أخرى كثيرة تعتمد في الأساس على فحوص بالأشعة، وبناء عليه كذلك اكتشف الأطباء إصابتها بورم خطير يوجب خضوعها إلى عملية فورية. ولأن التأمين رفض تغطية تكاليف العملية، ولكون أسعار مستشفى (....) باهظة جدا، فاضطرت محدثتنا إلى أن تعود إلى مصر مسقط رأسها لإجراء العملية الصعبة بسعر "معقول" على حد تعبيرها من جهة، ولكي تكون في تلك الحالة الصعبة وسط عائلتها.
وطبعا وفق التقارير الطبية الصادرة عن مستشفى (....)، حدد موعد للعملية في مصر طبعا من دون التشكيك في نتائج الفحوصات في الكويت. ولأن الظروف تخدم أحيانا ايجابيا، فقد اكتشف ما لم يكن في الحسبان، "كنت دائما اشعر بأن في الأمر خطأ، لم أكن رغم صرامة التحليل الطبي أصدق أنني مصابة بداء السرطان، كان يخالجني إحساس داخلي بأن ما بداخلي جنين، ما زال على قيد الحياة وينمو شيئا فشيئا...".
أحيانا تكتنفنا بعض الأحاسيس، التي لا ندري هل هي استباق منا للحدث أو استشعار منا له أو حد يفصل بين قمتي الصدق والتوحد مع الغيب.. كذا كان حال محدثتنا، "قلب المؤمن دليله"..هذه المقولة على ابتعادها عن المنطقية تبقى في حالات كثيرة حلا أمام عجزنا عن فهم أمور عدة تخالجنا.. ولكون آلاء مؤمنة إلى أبعد الحدود...
كان يقينها صادقا إلى أبعد الحدود... كان الجنين لا يزال على قيد الحياة فعلا حسب آخر تقرير طبي أقيم لها في مصر، كما تنص عليه الوثائق المرفقة لهذا العمل... الجنين على قيد الحياة وعمره 11 أسبوعا ويومان بالضبط، وبالتالي يؤكد أن الكتلة الموجودة في رحم محدثتنا لم تكن بالمرة ورما قاتلا، وإنما هي دليل على وجود حياة داخل أحشائها من جهة ودليل على سلامة والدته مع إيقاف التنفيذ من المرض الخبيث.
"لا شيء يضاهي وجودك في الكون بجسم سليم"، كذلك تمتمت محدثتنا بكلام تتجاذبها الفرحة لسلامة جسمها من داء السرطان وألم لكون ابنها مشوها بفعل الأشعة التي خضعت إليها، باعتبار أن التقرير كان يؤكد خلو أحشائها من الجنين. كان الجنين مصيره الإجهاض ليخلص من حياة يشوبها التشويه والعلة. من المفارقات أن يبعث الجنين الحياة والأمل لأمه وهو يفارق الحياة، يهبها الحياة ويكون برهانا على صحتها ومعاناتها رغم تشوهاته وآلام لم يشعر بها.
"هذه الدنيا عجيبة غريبة" كما تذكر لنا محدثتنا، تحب جنينها ولن تنساه كما لن تنسى من وهبها إلى الرعب ووهب جنينها إلى الموت تشوها. لم يبق لها أمام ما عاشته من ألم هي وعائلتها إلا أن تغمس عينيها بالبكاء وترفع أعينها قائلة "حسبي الله ونعم الوكيل، أنا مش مسامحة"... حرارة دموعها تلك المتناثرة أمطارا على وجنتيها الذابلتين وعيونها الناظرة إلى السماء، تدعو سخطا على الأطباء، وتصيب جسمنا بقشعريرة خفيفة وتجعلنا بدورنا نطلب من الأطباء في الكويت بصفة خاصة والعالم بصفة عامة التثبت والتثبت ثم التثبت، فحياة الإنسان ثمينة جدا وإن كان جنينا.

الخميس، 6 نوفمبر 2008

شذرات من الواقع الكويتي1


"سامح الله التكنولوجيا والتقدم العلمي"
كانت ساعة الكون تشير إلى ما بعد منتصف الليل وتتزامن مع موعد المسلمين وصلاة الصبح، وكانت ساعتها تشير إلى ما بعد ألم الضرب والشتم فتشرف على موعد لها مع حياة جديدة وتتزامن مع قطرة أفاضت الكأس عندها.
لم تعد لتحتمل، كان ذلك في يوم كانت فيه على مشارف فتح صفحة بيضاء معه وتنسى ما لا يُنسى، لكن تعمده إذلالها في تلك الليلة إلى حد السلخ وضربها إلى حد الموت كان كفيلا بأن يربك حسابات العائلة والعرف والتقاليد لديها.
من أنفها، سال الدم سيلانا محرقا مفزعا ولا تكترث له... شريدة الذهن ظلت لوقت ليس بالطويل أو القصير لم تعد تتذكر... تخمّن... وقتها فقط لملمت ما تبقى لها من رباطة جأش، في محاولة منها لإنقاذ ما تبقى من آدميتها وقرّرت ألا أحد بعد ذلك اليوم يقرّر بدلا عنها ويأخذ بزمام أمورها، قالتها "لن أعود إلى بيته، كرهته كره الشيطان للخير" أمام أيادٍ كانت تعلوها وتنزل كالصريمة على جسدها الصغير، غير مبالية بنظرات حارقة وأصوات تعلو صوت آلامها...
وكان قرارها الرجوع إلى أهلها بلا حقائب..بلا جواهر، لكن بآلام وجروح لا تحصى وتخالها لن يستوعب الزمن هضمها ونسيانها... قد تكون لا إرادة حكمتها يوم قبلت الزواج، كانت حينها تحاول إرضاء أهل همّهم الوحيد جمع شمل العائلة وتشتيت أحلامها وتعتبر من غيرها ممّن لم تسمعن كلام «العُودْ».
لكن يومها واليوم وكل أيامها المقبلة قررت وتقرر وستقرر بألا تسمح بأن تكون آلة يفرغ فيها البعض، رغم قرابتهم الشديدة منها، مخزونا ثقافيا لسنوات من الشدة والقسوة والسيطرة إلى حد التسلط والظلم...
كانت بكلماتها تلك تنتقد تصرفات أهلها وموروثا ثقافيا كاملا تتستر خلفه عائلة، همها الوحيد أن تزوج فتاة لا هم لها في الدنيا غير عيش آمن بعيدا عن مُعنّف لا وازع يردعه.
كانت كلماتها خليطا من الألم والقوة، تروينا إياها بإسهابٍ... بتداعٍ حرٍ ...بغضبٍ ...بلا مبالاةٍ ...بعزة نفسٍ ولا تروي حديثها ببكاء أنثوي رغم مرارة ما كان يسري داخلها ولا يهتم به الجميع، كانت محدثتنا مرام فتاة تحترم الكل غير أن الكل - في اعتقادها - داس عليها أمام إرضاء شكل اجتماعي تمقته إلى حد الغثيان ولا تنسى وقعه عليها.
هي اليوم في بيت عائلتها تعود خائبة من امسها ومن يومها وفرحة بحال أفضل من حالٍ، عاطلة عن العمل، لا شهادة جامعية تخفّف عنها وطأة المصيبة... وتندم، هي اليوم على أيام دراسة انقطعت عنها مبكرا... تتمنى عودتها لمقاعد هجرتها نفوراً أمس... ويصعب عليها تحقيق هذه الامنية على بساطتها من منظورنا ومستحيلة من منظورها.
قد تغري بعض الفتيات منا أهازيج الفرح وفكرة الزواج في حد ذاتها، وقد ترى بعض عائلاتنا في الزواج حماية ومستقبلا يغني عن الدراسة، لكن النماذج الاجتماعية تفند بنسبة كبيرة هذه الاعتقادات، مرام هي واحدة من بين هؤلاء الكثيرات... التحاقها بصف الدراسة من جديد يخيفها، ولا يخيفها التحاقها بصف المطلقات بقدر ما كان يخيفها إلى حد الرعب صوت مفتاحه يدخله في مكانه من الباب... فيسقط على الأرض في غير توازن بفعل الصهباء...
ويعيد هو الكرة ويعيد المفتاح عملية السقوط في بلاهة وفي سخرية من الظرف، إلى أن تسرع في استسلام المغلوب عن أمره، المداري للفضيحة... وتفتحه فيدخل متعثرا في هدوء السارق المختلس ويخيفها إلى حد الموت ولا تموت...
ويبقى ليشتمها ويشتم اهله...يلعنها ويلعن يوم زواجه بها... يضربها ويضرب الامثال عن جمال فتيات الكليبات ولا يجده عندها... ويقهقه عجعاجا كالأبله... كالشيطان... كالمارد، ولا يكترث وينام... وينسى
ثم يكرر من جديد عذابات بلا مبرر، بلا مقدمات. اليوم، هي تكره الرجال والزواج والضرب... والتسلط... والعنف... والخمرة وأمس.
أمس، كان بالنسبة إليها محط معارك دامية بينها وبين من رسخ لغة الضرب والعنف والاستخفاف صراطا سار عليه ويسير عليه شباب كثيرون في الكويت وفي غيرها من الدول... كذلك يكون العنف الزوجي ورماً لا يعرف الحدود!
اليوم، تنظر إليه بكل أمل وتفاؤل لعل الزمان كفيل بأن يمسح دمعا لم ينزل على وجنتين ورديتين فشل الألم في نزع نضارتهما. هي اليوم، تلعن التلفزة ونجمات الكليبات...
تلعن الانترنت ومواقعه الممنوعة صوريا... تكره التكنولوجيا وما فتحته من مجال أمام الكثير للعبث... تكره الشارع وما فيه من فتيات يعرضن مفاتهن أمام أعين تشرئب للاستمتاع المجاني...
تكره مخالطة أصدقاء السوء وما هم بأصدقاء... تجتاحها موجة من الالم... من الكره... من الحقد طوفانا...
بركانا ينفجر ولا ينضبُ... كررت مرات كثيرة "سامح الله التكنولوجيا والتقدم العلمي" وتسترجع الذكرى...
وتألم لنفسها... وتُرجعنا إلى حكايتها وقد صعُب عليها البدء من جديد...
كان مجيئه ليلا متأخرا وضربه المبرح كفيلين بأن يجعلا الألم لديها يتجاوز كل القرارات، لم تعِ إلى ذلك اليوم أن ما ادخرته من كرامة طيلة عقدين كاملين استطاع ابن عمها أن يجعلهما حطاما يدوس عليهما يوميا، كرهت كلمة "اصبري" و"عيب" وكل الكليشيهات المنطوية تحت مثل هذه الكلمات، كرهتُها وكرهتُ "قائلوها"، وأحببت حياتي اليوم، بلا صراخ ، بلا ألم، بلا رائحة خمرة تغشيني، وسأنسى.
تلك كانت كلماتها التي أفرغتها لـ"الصوت" بهدوء الآمن، باضطراب المظلوم، بيقين المؤمن باليوم، بارتجاف الخائف من الغد، وتمضي... كذلك كانت يومياتها لم تختصرها إلينا واختصرناها... ونختصرها اليوم في مسائل تبدو غير محددة في الزمن والمكان ولا تعتبر ظاهرة لبلد دون آخر... هي "انقطاع الفتيات عن الدراسة في سن مبكرة"، "العنف الزوجي"، "الزواج بالإكراه" "سوء استعمال التكنولوجيا بأنواعها" "الإدمان"، كلها مسائل لا تعرف الحدود الجغرافية أو الزمانية كما الألم...

الأربعاء، 29 أكتوبر 2008

شذرات من الواقع الكويتي 3

الكـرامــة بعد الخــبـز أحــيانــاً
في غياب بريق طفولة مزقها اليومي، وجدتها بزيها الرسمي تقف أمام طاولة أكل، كل من حولها كان جالسا يمارس فعل الأكل والتحدث والضحك حد الاختناق...انتظرت جلوسها ...وانتظرت أن يسمحَ لها بممارسة تلك الأفعال البسيطة الروتينية التي يقوم بها بنو آدم. طالت النظرات مني... كنت أرسلها في البدء خلسة... وتطورت لتكون مستمرة وعلى مرأى من أصحاب الصحون الملأى والكراسي الفاخرة أرسلها كما البرق تشعه السماء غضبا وحنقا.
وانتظرت... وانتظرت... ارتد بي البصر لهبا لفشل الرؤية أن ترى أو تستوعب ما يحدث ولا يبالي به أصحاب الكراسي الفاخرة. كانت فتاتي واقفة بملابسها تلك التي تفضح وظيفتها في الكويت.
لم تكترث الفتاة بوقوفها أمام أناس جالسين...اعتادت السلوك ذاته وربما غيره يثير الحرج لديها، اعتادت أن تكون على رأس الجميع، وأقصى ما تحلم به أن يرضى عنها الجميع، لذا تراها تلبي الأوامر بابتسامة ذابلة... فعل الجلوس لم يحرك عند الفتاة إحساسا سلبيا على الأقل ظاهريا...
كان مجيء الأكل فائح الرائحة يبعث على فتح شهية أي إنسان، ولأنها إنسانة، أثارت الرائحة شهيتها، ولأنها من الخدم نسيت لبرهة أنه من حقها فقط - في عرف أصحاب الصحون - أن تبصر وألا تشتهي ما يوضع أمامها ويدغدغ غريزة حب الأكل فيها... كان منظرها وهي تنظر إلى الصحن يوضع أمام الجميع ولا ينزل أمامها يثير الشفقة إلى حد الألم.
كل شيء كان أمامها لا تمد يدها إليه إلا لترفعه إلى فم بنت تنغمس في اللعب، وتأبه دلالا أن تأكل في شيطنة الصغار... كانت شريدة الفكر تتلذذ خلسة برائحة الأكل تداعب أنفها الصغير لتستيقظ على صراخ بنت الثالثة تطلب الماء... استفاقت البنت توزع حواسها بين نظرات ترسلها إلى الصحون الملأى أكلا وبين نظرات حانقة تلهبها بها بنت الثالثة لظى... تنظر واجمة كالممتلئ بكاء ولا ينفجر خوفا ورضا غصبا وأذى،
كان البكاء إليها أمرا محظورا كانت قد نسيته منذ وطأت أقدامها البلد... والمنازل.. تتوجع يوميا مرات كثيرة... قد تتمناه أحيانا قليلة... لكنه لا يستجيب لها وقد تخلت عنه إلى ما لا عودة إليه... يشيع الألم مني وأنا أنظر ويمتد بي بلا حد حتى ظننته استوطنني إلى ما لا رجعة لابتسامتي بعده...
هممت بالنهوض لأثأر لعينين لم أفقه معنى بريقهما... لكن عجزي وقلة حيلة ذات اليد منعاني غصبا من الدفاع عنها وجعلاني أرتجف كما يرتجف القط المبتل في يوم قطبي شديد البرودة إلى حد التثلج، حالة من البرود تملكتني...وجعلت الأفكار تنساب من فكري إلى نفسي... وقتها جالت بفكري أمور خلتها اقرب إلى التفلسف من التعقل واستوت الأضداد أمامي، فهي كما البحر الساجي، هممت بأن أنصرف إلى العائلة يكسوها رداء الوقار...
لكن ابتسامة البنت خذلتني...سرعان ما أزاحت عن وجهها البريء رداء الحزن وعقبت تجري وراء طفلة الثالثة تمسكها بفرح وترجعها إلى الطاولة... كان ذلك الانقلاب الفجائي فجائيا...جعلني أشعر للمرة الثانية بالعجز عن الفعل والفهم... كان مشهد البنت في البداية وهي واقفة واجمة أمام الأكل ولاد لعدة أفكار ارتمت أمامي كالصحراء البيداء...
يذكرني بالمواثيق الدولية... ومناداة الديانات السماوية والوضعية والأعراف بالحفاظ على كرامة الإنسان... كانت البنت على الرغم من كل ذلك تبدو سعيدة بالقليل الذي خصها به القدر من منظورنا.. والكثير من منظورها...
سعيدة وهي تمسك الطفلة وتعيدها إلى مكانها وتتولى بنفسها مهمة إطعامها...سعيدة صارت وهي تجعل الأمن يستتبّ حول الطاولة...وتسعد أكثر حين تلاحظ ملامح الرضا ترتسم على وجه أفراد العائلة...
كانت هادئة إلى أبعد الحدود...مطيعة إلى أبعد الحدود...حنونة إلى أبعد الحدود... وإلى أبعد الحدود كانت بحنانها تفند مقولة فاقد الشيء لا يعطيه...
استتبعتها إلى الحمام لإرضاء فضول آدمي تملكني، تناوبت الحديث معها ...كانت تلوك الكلمات في لكنة آسيوية تشعرك بأنها تستهزئ من وضعها... من ألمها بالتجاهل والأمل في غد تأمله ورديا...
لا تستطيع أمام يومها بكل ما هو حافل به أن تتصور أن تغيره، ترضاه لنفسها وتتمناه لعائلتها، أمام كل ما نستشعره من إهانة لها ولإنسانيتها تعيش البنت حياة سعيدة، سعادة ترسلها من تحت دموع جامدة توقفت عن النزول في غير إرادة المرتضي... كانت حياتها على ما تعيشه ترضيها، هادئة لا صخب فيها غير صوت قد يعلو من فترة لأخرى...
تلك البنت البسيطة استطاعت ببساطها أن تستوعب ما لا قد يستوعبه الكبير منا، المثقف منا، الذكي منا، فهمت اللعبة كالسياسي المحنك واعتكفت على الصمت وقبول الآخر بصراخه، بأوامره في سبيل لقمة العيش والحياة الأفضل من تلك التي كانت تعيشها في موطنها، رغم كل شيء...

الأحد، 26 أكتوبر 2008

الطلاق في المجتمع الكويتي

فتيات في مقتبل العمر تجرهن أقدامهن جرا ثقيلا إلى قصر العدالة، لم تتمنّ الواحدة منهن مصيرا مثل هذا المصير، ولم تحلم إلا بفستان أبيض وفارس يغير واقعاً خالته بعضهن لن يتكرر.
هن اليوم، بنسب تدعو إلى القلق، يحاولن الاندماج في مجتمع لا يزال يضع المرأة المطلقة في خانة لا تحسد عليها. قد يكون زواجهن رضا أو غصبا وإكراها، وقد يكون عصيانا للأهل وتحديا، لكن الأكيد مدته -حسبهن - ما كانت لتصمد أكثر من سنة.
أشهر معدودة كانت طويلة بطول الأمد لدى بعضهن، وعلى مرارتها تبقى حلهن الوحيد المريح رغم ما يعشنه اليوم من مرارة تؤججها نظرات الآخر الحارقة وتعمقها ألسنة البعض المؤذية.
“الصوت” كانت في هذا التحقيق صوتا لا يقتصر على نقل آلام هؤلاء المطلقات، بل إنها تقارب الحقيقة وتعانق الواقع الاجتماعي في مختلف مظاهره.
فإلى أي مدى يمكن الحديث عن ارتفاع نسب الطلاق بالنسبة إلى هذه الفئة؟
وإلى أي مدى كان تعاطيهن مع وضعياتهن الجديدة ايجابا أو سلبا؟
بين أسباب طلاقهن وآلام التجارب المجهضة كان اللقاء معهن على مذاقه الكالح في أحيان كثيرة متنفسا وجسرا للعبور من الذات إلى الآخر.
“صرت أسمع صمتا من خلال نظرات الآخر” “المسكينة طُلقت ولم تمر سنة على زواجها”، “مثل هذه الكلمات والنظرات تجرحني وتدفع بي إلى التقوقع على نفسي والتزام الحد الأدنى من المشاركة في حضور المناسبات العائلية، صارت يومياتي محدودة تنحصر في الخروج مع الأهل والبقاء في البيت حتى صديقاتي أصبحت علاقتي بهن فاترة بفعل اضمحلال المشترك بيننا”.
تلك كانت كلمات بثتها محدثتنا بتلعثم بالغ ينم عن عدم القدرة على مواصلة الحديث معنا، هي فتاة لم تبلغ بعد 22 سنة رغم جمالها ورصانتها وأصلها الطيب تجد نفسها مطلقة، وما زالت الصدمة تشلها إلى حد السكون واللامبالاة. خصالها تلك تشي بأن الطلاق لا يختار ضحاياه وإنما يصيب كل العائلات على اختلاف مستوياتها الاجتماعية والمادية. أنفال رغم وقوف عائلتها إلى جانبها واحتضانها لها إلا أنها تشعر بالألم الكامن، باللاشيء يجتاحها، بخمول سرمدي يتآكلها إلى حد التلاشي، هي اليوم لا تعرف ما عساها تكون نهاية يومها أو غدها، لم ترسم لنفسها بعد مرور سنة تقريبا على طلاقها ملامح مستقبلها، مكتفية بالوقوف على آلام التجربة المريرة.
حوار الأرقام والحقائق
مثيلاتها اليوم في الكويت بأعداد قاربت 930 حالة سنة 2007، حسب آخر الإحصائيات الصادرة عن وزارة العدل. وبذلك احتللن المرتبة الثانية بـ 22.8 في المئة من إجمالي عدد المطلقات الذي بلغ حوالي 4950 حالة بعد المطلقات اللاتي تنحصر مدة زواجهن بين سنة و5 سنوات. وجدير بالملاحظة أن هذه العينة ترتفع بالنسبة إلى من مستواهن التعليمي متوسط فيكون عددهن حوالي 260 حالة والدبلوم حوالي 230 في حين تنخفض كلما انخفض المستوى التعليمي عن المتوسط أو تجاوز المستوى الجامعي إلى الماجستير.
ورغم ما يشاع عن ارتفاع نسب الطلاق بصفة عامة في الكويت إلا أننا قد نغالي إن سايرنا هذا التقييم في الوقت الذي يعتبره الاخصائيون نتيجة طبيعية وليست تشاؤمية، معتمدين على معدلات الطلاق التي تكاد تكون مستقرة إلى حد ما خلال السنوات العشر السابقة باعتبار أنه من الضروري الحديث عن الظاهرة وحساب نسبة ارتفاعها بمقارنتها بارتفاع عدد السكان المحليين والتغيرات الحاصلة في المجتمع وهو ما تعتمده منظمة الأمم المتحدة في قياس الظاهرة.
وهنا استنادا إلى الكتاب الإحصائي السنوي لوزارة العدل فقد ارتفع عدد سكان الكويت من حوالي ثلاثة ملايين و52 ألف نسمة سنة 2007 إلى حوالي ثلاثة ملايين و330 ألف نسمة، لذلك يبدو من الضروري وضع هذا الارتفاع الديموغرافي في عين الاعتبار.
“تختنق يومياً”
تبقى هذه الإحصائيات رغم أهميتها مجرد أداة تتعزز بالتقاء المعنيات بالأمر لفهم وضعياتهن.
هن في غالب الأحيان وباعتبار مدة زواجهن من فئة عمرية لا تتجاوز 25 سنة. سن يكون البعض منهن غير مستعد لتقبل صدمات الحياة، وبالتالي عدم معرفة كيفية التعامل معها وتجاوزها، لذلك تعمل العائلة على الإحاطة بهنن غير أنها في حالات عديدة تفرط في الاهتمام بالمطلقة إلى درجة قد تسيء بعضهن فهمها بفعل حساسيتها العالية.
هذا ما تعترف به محدثتنا “يحسسني الكل أنني بلا رجل... امرأة ينقصها الكثير، أو كأنها معوقة ويجب الأخذ بيدها في أدق الجزئيات، طلاقي يجعل مني محل شفقة الجميع، يغالي أهلي في الاهتمام بي إلى حد الاختناق”. تواصل حديثها تمزجه بالتشنج والاضطراب “ نحن المطلقات نختنق يوميا من نظرات الآخر ورقابة الأهل...ونادرا ما تتجاوز الواحدة منا ذلك”.
كانت تلك بعض التأوهات التي أطلقتها إحدى محدثاتنا هي فتاة لم تصل بعد منتصف العشرينات. سنة خاضت فيها تجربتي الزواج والطلاق، هي الآن في بيت العائلة تخنقها كثرة اهتمام الجميع بها حبا وخوفا من اهتمامات الناس.
هذه الأحاسيس تتقاسمها مطلقات كثيرات خاصة أنهن في مثل سنها ولم يمر على زواجهن إلا فترة قصيرة.
البحث عن الاستقلالية
ولئن كانت بعضهن تجدن صعوبة في التملص من آثار التجربة إلا أن كثيرا منهن وجدن في الطلاق انعتاقا من حياة صعبة ويحمدن الله على الخروج منها بأقل الخسائر الممكنة محاولات إعادة بناء ذواتهن لتحقيق استقلالية ذاتية، عبر الالتفات إلى اكتساب خبرة ومن ثمة الدخول في سوق العمل.
زينب واحدة من بينهن استطاعت أن تكسر جدار الذكرى وتضرب لنفسها موعدا مع المستقبل تحاول أن تكون منتجة بطريقتها الخاصة، تعلمت برمجيات الكمبيوتر، وهي اليوم موظفة في القطاع الخاص. شغلها يعني لها الكثير، يكفيها منه أنها صارت تجد سببا مقنعا تبرر به خروجها اليومي وفرصة للتواصل مع الآخرين في مسعى لتحقيق استقلاليتها ماديا ومعنويا.
هذه الحالات الإيجابية من المطلقات تجد مساعدة من قبل الأسر أو الهياكل ذات الصلة ولعل مشروع “من كسب يدي” إحدى الأيادي الممدودة لهن باعتباره يهدف إلى إكساب أمثالها مهارات حرفية ومهنية تسهل إدماجهن في منظومة العمل والانتقال من حالة الركون إلى وضعية الأخذ والعطاء وبناء الاستقلالية.
وكثيرا ما تجعل مسألة الاستقلالية المادية بعض المطلقات يطمحن إلى أبعد من ذلك أي استقلالية في السكن، مثل محدثتنا ريما تلك التي تنسى وهي تحدثنا الألم لتتذكر كم كانت سعيدة لإحساسها بكيانها داخل منزلها الخاص “رغم العناء الذي تحملته إثر فترة زواجي القصيرة إلا أنني كنت مستمتعة بشيء واحد وهو بيتي المستقل، هذا الشعور حلو جدا، وكم أتمنى أن يكون لي بيت مستقل”.
هذا الطموح يبقى في حالات عديدة صعب المنال بالنسبة إلى هذا النوع من المطلقات باعتبار صغر سنهن بالدرجة الأولى وعدم الخروج بأطفال تؤنس وحدتهن أو قد يكون شبه مستحيل في الكويت التي يحكمها الترابط الأسري والعادات الاجتماعية المتوارثة.
أي معنى لمؤسسة الزواج؟
حالات الطلاق هذه الكثيرة نسبيا في الكويت تجعل التساؤل مشروعا حول ماهية الزواج لدى الطرفين، هل هو وسيلة للخروج من قيد الأسرة والتسلط الأبوي؟
أم تراه وسيلة لتحقيق أمان عجزت الأسرة عن توفيره؟
أم أنه تجارة مربحة حينا، ومخرج من مأزق مادي أحيانا؟
هل أصبحت منظومة الزواج صفقة تبرم بين عائلتين؟
أم تقليد نمطي يهدف إلى استكمال نصف الدين؟
ولعلها محاولة لإرضاء العائلة أو التقاليد؟
تختلط الاعتبارات التي من أجلها يحدث الزواج، ولعل السبب الرئيسي وراء انتهائه بسرعة - حسب البعض- يتمثل في عدم ضبط الرؤية الأساسية من هذه المؤسسة الاجتماعية وهي الأسرة، مما يجعلنا نتساءل إن كانت العائلة قد أنشأتهما على مبدأ تقديس الحياة الزوجية من ناحية، ومن ناحية أخرى إن كان طرفا الزواج قد بسطا في فترة الخطوبة -إن وجدت- أهم المبادئ التي يؤسسان عليها الارتباط، هل يكفي الاتفاق على الأبعاد والعناصر المادية من مهر ومصاريف جهاز واحتفال لإنجاح مؤسسة الزواج؟
هذه الأسئلة على عمقها بعيدا عن الحكم الحاسم فيها ومن خلال بعض النقاشات مع المقبلين على الزواج تبقى مواضيع سابقة لأوانها، والزمن كفيل بجعلها تمر من دون تخطيط مسبق لها من جهة، ويجري التواكل فيها على العائلة باعتبارها من يختار الزوج أو الزوجة في أحيان كثيرة، فبالضرورة حسب البعض يكون اختيارها صائبا من جهة أخرى.
من هنا قد نكون وضعنا أصبعنا على أحد مصادر الإشكال، ذلك أن بعض المقبلين على الزواج يتوغلون في الحديث عن مصاريفه من دون التحدث عن الحياة الزوجية في عمقها رغم ما تحتاجه من جدية في طرحها والتثبت منها قبل الزواج والتعرف إن كانت النقاشات فيها تفضي إلى الاتفاق أو الاختلاف.
وبها قد تنجح عملية استشراف مدى طول فترة الزواج أو قصرها.
الخطوبة... هل هي ضرورية؟
“ معرفتي به لم تكن بالعمق الذي يؤدي إلى استمرار الزواج” كانت هذه بعض الكلمات التي اعترفت بها مطلقة العشرين، هي اليوم في عمر الزهور تعزو طلاقها إلى قصر فترة الخطوبة، حيث لم يكن الوقت كافيا للنقاش العميق مع خطيبها حول مسار العمر، نظرا إلى رؤى بعض العائلات حول ضرورة وجود الخطوبة أو طولها.
ورغم كونها أحيانا تكون أكثر طولا نسبيا في إطار شرعي بعقد قران إلا انها تؤدي إلى الطلاق قبل الدخول. وهنا نشير إلى ارتفاع نسبة الطلاق قبل الدخول من حوالي 510 سنة 2006 إلى 533 حالة سنة 2007.
يعمق انعدام وجود فترة الخطوبة أو قصرها الهوة بين الزوجين حسب بعض المستجوبات باعتبارها لا تكون كافية لمعرفة الآخر وتقبله شكلا ومضمونا.
وهذا ما يؤكده الاستفتاء الذي قامت به وزارة العدل لعدد من الأزواج والزوجات حول معرفة أهم الأسباب المؤدية إلى الطلاق حسب رأيهم. ومن خلال النتائج يجعل الزوجان عدم التقبل في المرتبة الأولى.
فيرى الزوج عدم التقبل بنسبة 51.2 في المئة، في حين ترى الزوجة 34.7 في المئة العامل النفسي مهم في ضمان التواصل بينهما. حيث يجد أحد الزوجين أو كلاهما صدا من الطرف الآخر أو عدم المقدرة على تقبله باعتباره لا يستجيب للصورة المرسومة في ذهن أحدهما عن الآخر. هذه النقطة كانت سببا في طلاق إحدى الحالات التي قابلناها في أروقة إدارة الرعاية الأسرية في مجمع الوزارات، حيث أعلمتنا السيدة “المظلومة” كما حلا لها أن تقدم نفسها، “كان شكل طليقي مقبولا وأعجبت به كثيرا، لكن للأسف كانت تصرفاته بشعة إلى درجة لا تطاق، بعد الزواج بيوم واحد وجدت فرقا كبيرا بين ما يحمله محياه وما يتحدث به وخاصة معاملته الحميمية المنفرة”، وتختصر تجربتها في حكمة مفادها أن المظاهر كاذبة بامتياز.
تؤكد كثيرات اعتبار أهمية فترة الخطوبة ومقابلة الشخص قبل الارتباط في نجاح الحياة الزوجية، في حين ترى أم محمد رأيا مغايرا، فهي زوجة مر عليها 4 عقود بعد زواجها تستبعد أن تكون فترة الخطوبة القصيرة أو انعدامها هي السبب في الطلاق، مستندة إلى حالتها الشخصية وحالات عديدة من الزيجات الناجحات على حد تعبيرها، إذ كانت معرفة الزوجين قبل الارتباط أمرا يكاد يكون مستحيلا غالبا، حيث لا يرى الزوج زوجته إلا يوم الدخلة، ومع ذلك تستمر الحياة بين الأزواج لمدة تتجاوز الخمسين سنة، إلى حد الممات ولم تكن فكرة الطلاق مطروحة مطلقا.
رأي الجيل القديم
من هذه الزاوية تفند بعض زوجات “الجيل القديم” أن يكون لغياب فترة الخطوبة دور في الطلاق. وإنما ترد ذلك إلى غياب الواسطة أو المُصلح العائلي أو القبلي بين الطرفين. وقد يكون هذا إلى حد ما منطقيا يؤكده تراجع نسب الصلح من 1176 حالة سنة 2006 إلى 1114 حالة سنة 2007 من ضمن 4580 حالة.
وفي المجال ذاته، تلقي أم أحمد باللوم على العائلة في الدرجة الأولى من ناحية لأنها لم تحسن تربية البنت على مبادئ تقديس الحياة الزوجية ومن ناحية أخرى تلوم الزوجة والزوج، وبصورة عامة تلوم جيلا كاملا -حسب نظرها- يستخف بالحياة الزوجية ويعتبرها أمرا لا يستحقّ التضحية والصبر، إذ حسب رأيها في غياب هذين العنصرين بالتحديد الصبر والتضحية فإن استحالة استمرار العلاقة الزوجية تبقى هي الحل الوحيد.
كذلك اختلفت الرؤى حول أسباب الطلاق بالنسبة لمن لم تتجاوز مدة حياتهم الزوجية شهورا معدودة، ولئن كانت مختلفة باختلاف منطلقات البحث فيها، فإن الطلاق في حد ذاته يبقى بالنسبة إلى هذه الفئة أمرا يقلب الموازين لديهم 360 درجة من دون التكهن بحتمية النتائج.
بين رغبتهن في الاستقلالية والانفلات من سلطة العائلة، تبقى لهذه الفئة من المطلقات بشكل عام آمال كثيرة في تحقيق ذواتهن على كل المستويات، غير أن الواقع الاجتماعي اليومي لا ينبئ بتحقيق هذا الحلم البعيد المنال. فهل هذا “الاحتجاج الاجتماعي” لهذه الفئة الشابة من المطلقات يمثل إحدى السمات الدالة على تحول سوسيوثقافي عميق في المجتمع الكويتي المعاصر؟

الاثنين، 14 يوليو 2008

شذرات من الواقع الكويتي

كانت تتكلم، تصرخ، تتأوه، تبكي ... أفعال تقوم بها في استرسال يصعب إيقافه، تواصل حديثها من دون انقطاع،
ومن دون اكتراث لنا إن قطعنا حديثها... تغمسه بالدعاء على الأطباء تارة وتعقبه بالنصيحة مرات كثيرة... كلامها قرارات كانت تحكمها لحظات الألم التي تعيشها وتشرك عائلتها فيها غصبا عنها.
قد نعذرها عليها وقد نرقّ لحالها... وفي الحالتين لا نملك إلا أن ندعو لها بالصبر. "لو أموت من الألم لن أتعالج هنا مطلقا في الكويت، حتى الأدوية وإن كانت مسكنات لن آخذها".
هذه كانت بعض الكلمات القرارات التي صرخت بها محدثتنا في محاولة منها للثأر لنفسها... أقوى حل عندها أن تفضفض وبقية الحلول تراها غير مجدية حتى القانونية منها.
هذا القرار، على ما يبدو عليه من انفعالية، قد ينذر بالخطر في بلد تمثل الجاليات الوافدة فيه ثلثي عدد السكان الذي يبلغ حوالي 3.2 ملايين نسمة.
وما يزيد في خطورة الموقف أن المتحدثة تتعدى التصريح بقرارها إلى التحذير والنصح بعدم العلاج هنا في الكويت... "أنصحك بلاش علاج هنا في الكويت"...
هذه الكلمات رغم أنها حاملة لدرجة كبيرة من الألم تجعل، التساؤل مشروعا حول كفاءة بعض الأطباء في بعض المستشفيات من جهة ومدى صدقية ضميرهم المهني.
محدثتنا اليوم لم تكن لتتوقع المرض بالزكام يوما، فإذا بها تجد نفسها ذلك اليوم أمام مرض عضال لم يرحم قبلها رضّعا وأطفالا لم يبصروا من الحياة شيئا ولم يفقهوا معنى الظلام والدموع، رغم صراخهم وبكائهم لحظة ميلادهم. هي آلاء فتاة مصرية مقيمة في الكويت مع زوجها،
لم يمر على زواجها إلا أشهر قليلة، هي اليوم بعد مضي أيام تعيش ولادتها من جديد بعد آلام نفسية رافقتها وتجاوزتها، لتنتشر بين أفراد أسرتها وأسرة زوجها...
آلام كان البطل فيها بالدرجة الأولى وبتميز أحد المستشفيات المعروفة في الكويت... تعيش هذه الأيام لحظة ميلادها الثانية. ابتدأتها ككل مولودي العالم بكاء، غير أن الفرق بين ولادتيها الأولى والثانية يكمن في مدى الوعي بالبكاء.
كان بكاؤها في لحظة ميلادها الأولى عن غير رغبة منها، وعن غير فهم وإحساس به، لحظة ميلادها الثانية كان البكاء فيها طواعية وبإصرار المحب للحياة، الراجع للحياة، الممنوح فرصة أخرى للحياة والتصالح مع الجميل فيها والسيئ.
آلاء فتاة السابعة والعشرين كانت ككل الفتيات تحلم بفارس أحلام تختاره، فكان لها أن وهبها القدر ما تمنته، ولأن الله كريم يعطي من دون حساب، فقد استفاض كرمه عليها وكرمها بأن تكون حاملا منذ أشهر زواجها الأولى... غير أن الفرح كان عمره قصيرا لم يتجاوز أسابيع، انتهت بها إلى تقرير طبي يؤكد سقوط حملها، وبالتالي سقوط أحلامها أرضا.
لم تتوقف آلامها عند هذا الحد، وإنما اكتشفت إصابتها بورم خبيث حسب تقرير طبي مكثف صادر عن مستشفى له صيت واسع في الكويت.
كيف لا وهو الملقب بالمستشفى (....)... الكشف عن الأسماء لا يعنينا بالدرجة الأولى بقدر ما يعنينا لفت النظر إلى بعض الأخطاء الطبية في بعض مستشفياتنا هنا في الكويت... لنعلم بأن الخطأ وارد في كل المستشفيات من دون استثناء، باعتبار أن من يعمل في تلك المؤسسات هو إنسان لا يخضع إلى قانون الكمال... ولأن الإنسان بشر يسمح له بالخطأ أو السهو، فإن في بعض الحالات يكون الخطأ فيها غير مسموح، خاصة إذا كان مؤديا إلى كارثة تكون نهايتها قتل نفس بشرية عن غير قصد، كما هو الحال بالنسبة إلى محدثتنا.
حسب التقرير الطبي والصور بالصدى والأشعة ثلاثية الأبعاد وسلسلة من الفحوصات التي استنزفت أرقاما كبيرة لها، أثبت سقوط حمل آلاء، وبناء على تلك التقارير الطبية الصارمة خضعت محدثتنا إلى فحوصات أخرى كثيرة تعتمد في الأساس على فحوص بالأشعة، وبناء عليه كذلك اكتشف الأطباء إصابتها بورم خطير يوجب خضوعها إلى عملية فورية.
ولأن التأمين رفض تغطية تكاليف العملية، ولكون أسعار مستشفى (....) باهظة جدا، فاضطرت محدثتنا إلى أن تعود إلى مصر مسقط رأسها لإجراء العملية الصعبة بسعر "معقول" على حد تعبيرها من جهة، ولكي تكون في تلك الحالة الصعبة وسط عائلتها. وطبعا وفق التقارير الطبية الصادرة عن مستشفى (....)، حدد موعد للعملية في مصر طبعا من دون التشكيك في نتائج الفحوصات في الكويت.
ولأن الظروف تخدم أحيانا ايجابيا، فقد اكتشف ما لم يكن في الحسبان، "كنت دائما اشعر بأن في الأمر خطأ، لم أكن رغم صرامة التحليل الطبي أصدق أنني مصابة بداء السرطان، كان يخالجني إحساس داخلي بأن ما بداخلي جنين، ما زال على قيد الحياة وينمو شيئا فشيئا...". أحيانا تكتنفنا بعض الأحاسيس، التي لا ندري هل هي استباق منا للحدث أو استشعار منا له أو حد يفصل بين قمتي الصدق والتوحد مع الغيب..
كذا كان حال محدثتنا، "قلب المؤمن دليله"..هذه المقولة على ابتعادها عن المنطقية تبقى في حالات كثيرة حلا أمام عجزنا عن فهم أمور عدة تخالجنا.. ولكون آلاء مؤمنة إلى أبعد الحدود... كان يقينها صادقا إلى أبعد الحدود... كان الجنين لا يزال على قيد الحياة فعلا حسب آخر تقرير طبي أقيم لها في مصر، كما تنص عليه الوثائق المرفقة لهذا العمل... الجنين على قيد الحياة وعمره 11 أسبوعا ويومان بالضبط،
وبالتالي يؤكد أن الكتلة الموجودة في رحم محدثتنا لم تكن بالمرة ورما قاتلا، وإنما هي دليل على وجود حياة داخل أحشائها من جهة ودليل على سلامة والدته مع إيقاف التنفيذ من المرض الخبيث. "لا شيء يضاهي وجودك في الكون بجسم سليم"، كذلك تمتمت محدثتنا بكلام تتجاذبها الفرحة لسلامة جسمها من داء السرطان وألم لكون ابنها مشوها بفعل الأشعة التي خضعت إليها، باعتبار أن التقرير كان يؤكد خلو أحشائها من الجنين. كان الجنين مصيره الإجهاض ليخلص من حياة يشوبها التشويه والعلة.
من المفارقات أن يبعث الجنين الحياة والأمل لأمه وهو يفارق الحياة، يهبها الحياة ويكون برهانا على صحتها ومعاناتها رغم تشوهاته وآلام لم يشعر بها.
"هذه الدنيا عجيبة غريبة" كما تذكر لنا محدثتنا، تحب جنينها ولن تنساه كما لن تنسى من وهبها إلى الرعب ووهب جنينها إلى الموت تشوها.
لم يبق لها أمام ما عاشته من ألم هي وعائلتها إلا أن تغمس عينيها بالبكاء وترفع أعينها قائلة "حسبي الله ونعم الوكيل، أنا مش مسامحة"...
حرارة دموعها تلك المتناثرة أمطارا على وجنتيها الذابلتين وعيونها الناظرة إلى السماء، تدعو سخطا على الأطباء، وتصيب جسمنا بقشعريرة خفيفة وتجعلنا بدورنا نطلب من الأطباء في الكويت بصفة خاصة والعالم بصفة عامة التثبت والتثبت ثم التثبت، فحياة الإنسان ثمينة جدا وإن كان جنينا.
قصة آلاء من الواقع، كما تبين ذلك الوثائق، ونتمنى أن يكون واقعا لا يتكرر في دولة تولي أهمية كبرى للإنسان من دون اعتبار لسنه أو جنسه أو عرقه أو مذهبه أو دينه...