"الصوت" رصدت الولع الجديد الفتيات يقبلن على "حافة" الرعب
و
"موسوعة الظلام" لا تخيفهن
الهوس الجديد أسقط قصص الرومانسية بالضربة القاضية
كان حشدهن اليومي أمام جناح كتب الرعب والخيال العلمي طيلة أيام معرض الكويت الدولي للكتاب لافتاً للانتباه، يقفن ويتصفحن ويشترين الكتب مستمتعات بما يقمن به، هن عينة من مراهقات الكويت اليوم.
تتحدث مع الواحدة منهن فسرعان ما تكتشف أن قصص الحب والرومانسية لم تعد أمورا تثير متعة بعضهن، الحب والرومانسية كلها علامات خاضعة للعادي من الحياة أو موضة قديمة تآكلتها أقلام الكتاب ونفر منها القراء، اليوم كتب الرعب والخيال العلمي والماورائيات تتصدر قائمة المبيعات في المعرض منذ اكثر من خمس سنوات.
الضربة القاضية
هي منافس من الدرجة الأولى استطاعت أن تطيحها بالضربة القاضية لتفوز بامتياز بقلوب بعض مراهقات القرن الواحد والعشرين، "الصوت" في هذا التحقيق تحاول أن تلامس التغيير الحادث لدى بعض المراهقات في الممارسات والأفعال من خلال محاولة تبين انعكاسات مفهوم الرعب والمتعة من خلال المطالعة.
فما هو ميول المراهقة الكويتية اليوم؟ وما أسباب الالتفات إلى أدب الرعب؟
وما رأي الأسرة والمختصين في هذا التوجه؟
انتصار الرعب على الرومانسية
"عيالنا صاروا ما يخافون، كل شيء عندهم عادي يتفرجون على أفلام الرعب عادي، إحنا في زمانهم نطالع الكتب الرومانسية ولما نشوف فيلم رعب نفضل ما ننام أسبوع وهم عندهم عادي"، هذه الجملة الواردة على لسان إحدى الأمهات تنم عن وجود مفارقة شاسعة بين مراهقات زمان ومراهقات القرن الواحد والعشرين.
مفارقة تنبني بالأساس على تغيّر في مفهوم المتعة والرعب.
وبالرجوع إلى الموروث الموغل في القدم والموروث المخضرم نجد أن متعة الفتاة المراهقة لا تتجاوز التعلق بقصص الحب والرومانسية، ومن ثم الحلم بفستان أبيض وفارس يأتي راكبا جواده، حتى البرامج الكرتونية كانت تتعلق بالأساس بهذه المضامين، هذه الأدوات من كتب وأفلام كانت كفيلة لتحدث المتعة وبالتالي فعل الحلم والرومانسية وتؤسس لخيال رومانسي.
على ما يبدو واستنادا لأقوال الأمهات وبعض مراهقات اليوم الأمر اختلف، لم تعد المتعة عند بعضهن تتحقق بمطالعة الروايات الرومانسية والمسلسلات ذات النهاية السعيدة، بل أصبح مصدرها أفلام الرعب والخيال العلمي بدرجة أولى -كرتونية أو غيرها- ثم أدب الرعب والخيال العلمي بدرجة ثانية.
ما يجعلنا نلاحظ تحولا ملفتا في مفهوم المتعة وبالتالي في مصدرها من جهة، وتحول في مفهوم الرعب والإحساس به من جهة أخرى، فبعدما كان الرعب حدثا يثير الخوف الشديد أصبح اليوم دافعا يثير المتعة، وتحول ثالث من الخيال الرومانسي إلى الخيال العلمي.
وهذا قد يعتبر مؤشرا يشي بتغيّر في ميول المراهقة بين الأمس واليوم. هذا الاختلاف بحد ذاته، من دون اتخاذ موقف منه، قد نعتبره منطقيا باعتبار أن رؤى الفرد وملامحه تتغير من جيل إلى آخر وقد تطول أدق الجزئيات التي قد لا ينتبه إليها البعض وينتبه إليها الكثيرون، معلنة عن مدى اتساع الفجوة بين الأجيال على مستويات عدة، ومعبرة عن تباعد منطقي يفرزه قانون التطور. من هذه النقطة بالذات يمكن لنا أن نعرف مدى ارتباط الزمن بالأفراد ومدى تغير اختياراتهم وميولهم.
عالم آخر
تحب نور فتاة الثانية عشرة مثلها مثل صديقاتها هذا النوع من الكتب لما تقدمه لها من مواضيع غريبة لا تتعرض إليها في واقعها اليومي، وفي الوقت نفسه مثيرة إلى درجة أنها تجعلها تعيش في عالم آخر.
عندما تنضم الغرابة إلى الإثارة تتحقق المتعة لدى أحباء هذا النوع من كتب المطالعة.
"فشباب اليوم يحبون استكشاف المفقود أمامهم، هم مستعجلون على معرفة المستقبل والحديث عن الماورائيات يستهويهم إلى درجة كبيرة"، كذلك تحاول أم نور أن تفسر لنا سبب تلهف الشباب على هذه الكتب، "فغريزة حب المعرفة واكتشاف المجهول تشتغل بصفة مكثفة عندهم".
معرفة المجهول
تساندها في الرأي إحدى الأمهات مضيفة أن "الرغبة في معرفة المجهول بالنسبة إلى هذا الجيل يعدّ أمرا فطريا باعتبار أنه في هذه السن يحاول الاستقلال بشخصيته وبالتالي تبدأ عملية النضج الفكري لديهم"، وتشير إلى أن الموهوبين تبدأ العائلة في اكتشافهم انطلاقا من هذه السن.
الخوف لا تشعر به هاويات هذا الأدب، فقط المتعة هي وحدها التي تكتنفهن.
قصص الرعب "حلوة وايد"
حلا واحدة من بين الكثيرات اللائي تحدثنا معهن، كم مرة تمنت أن يطول يومها إلى أكثر من 24 ساعة لتتم فيه مطالعة القصة... تمسك بالكتاب، تلتهم الكلمات والأسطر فالصفحات حتى تجد نفسها أنهت قراءته مهما كان حجمه وغالبا لا تنام إلا بعد أن تستكمله ولا تدري كيف... فهذا النوع من الكتب "حلو وايد... وايد".
قاسم مشترك كذلك يتفق هواة أدب الرعب والخيال العلمي على تقييمه. هذا الحرص من المراهقات على اقتناء هذا النوع من الكتب أصبح قاسما مشتركا بينهن، ولعله يعدّ سببا لتوطيد علاقتهن كما هو حال محدثتنا إيلاف "أنا وكل صاحباتي نطالع نفس الكتب وربما في أحيان كثيرة أصبحت قاسما مشتركا بيننا وتوطد العلاقة بينناوتفتح أمامنا مواضيع كثيرة للمناقشة"، وتضحك: "نتباهى بعدد الكتب التي نملكها ونقرأها"
الأولى في المبيعات
ليس غريبا أن تحتل كتب الرعب والخيال العلمي لمكتبة ديموند الطارحة لهذا النوع من الأدب المرتبة الأولى والثانية في عدد المبيعات في معرض الكويت الدولي سنوياً إذا ما كان لها قراء على هذه الشاكلة. فقد احتل كتاب عشاق الادريانين المرتبة الاولى هذه السنة محطما رقما قياسيا بما يتجاوز 1300 نسخة.
وفي سنة 2007 احتل كتاب الحافة المركز الأول، حيث بيعت 825 نسخة. وفي سنة 2006 احتل كتاب هادم الأساطير المركز الثاني ببيع 780 نسخة، وفي سنة 2005 حطمت موسوعة الظلام الرقم القياسي في عدد المبيعات 930 نسخة، وتكون بذلك احتلت المركز الأول، وسنة 2004 احتلت قصة خلف أسوار العلم المركز الأول ببيع 800 كتاب. وجدير بالذكر أن أغلب هذه الكتب طبعت منها نسخة ثانية بعد نفاد الطبعة الأولى خلال بضعة أشهر، كما نفدت الطبعة الثانية من بعض الكتب.
ولع فوق السيطرة
أمام هذا الولع الظاهر بكتب الرعب والماورائيات تبقى بعض الأمهات مذهولة ولا تكاد تكتشف السبب الأساسي وراء هذا الولع من دون أن تستطيع الحد منه، السيدة أم غانم لا تتوانى في أن تصطحب ابنتها نور لتختار بنفسها الكتب التي تروق لها من دون أن تكون لها السلطة الكلية على تحديد اختياراتها، "فالحرية حسب رأيها مهمة جدا لصقل الشخصية، على أن تكون مبنية على أسس ومعايير معينة تحددها طريقتها في التربية "، زارت المعرض ولا تجد سوى أن تبتسم أمام كثافة عدد المقبلين على جناح كتب الرعب، "لست أدري ما الذي يجذبهم إلى هذا النوع من الأدب، رغم محاولاتي فهم هذا الانجذاب إلى حد الانسحاب الكلي، فإن عقلي لا يسعفني بالرد المقنع، خليهم ينبسطون"، رغم هذه الحيرة وعدم القدرة على فهم "الظاهرة" تلبي الأم في حالات لا نستطيع أن نتكهن عددها رغبة بناتها وتضعها تحت بند الحرية الشخصية.
حرية الاختيار
هذه النقطة بالذات تؤكدها أم حمد وهي مختصة في علم النفس والجغرافيا، فهي لا تحجر على ابنتها في اختيار كتاب وإنما تمنحها هامشا من الحرية باعتبار أن اختيار نوع كتاب المطالعة يساعد على تنمية الشخصية حسب رأيها، ولئن كانت أم سليمان تأخذ الأمور ببساطة ومن قبيل إرضاء ابنتها والابتعاد عن "وجع الرأس" فإن أم حمد تشتري هذا النوع من الكتب لابنتها عن وعي، معتبرة إياها وسيلة تشبع رغبة الشباب في الاستكشاف والاستطلاع ومعرفة المجهول وفك الغموض على أن تكون في حدود الثوابت التربوية التي أسست عليها باعتبارها لا تثير مسألة الخوف والظلام لمجرد الخوف وإنما تنبني على هدف معين وتستند إلى ثوابت علمية وأدلة منطقية تجعل القارئ يكتسب أسلوب الحجاج والإقناع، وبذلك تقول محدثتنا "أكون قد ضربت عصفورين بحجر واحد، من جهة أشبعت رغبتها في الاطلاع على المجهول ومنحتها فرصة لتتعلم كيف تدافع عن مواقفها بالاعتماد على أدلة وحجج من جهة أخرى، وهذا أمر مهم بالنسبة إلى شخصية الشاب، كل هذه الايجابيات أحصل عليها بمجرد شراء كتاب واحد".
الخيال العلمي في قفص الاتهام
ماذا ننتظر من جيل يستمتع بالرعب وينشأ على ثقافة الخوف إلى حد الرّعب؟ ينبغي علينا أن نطرح هذا السؤال على أنفسنا، وينبغي علينا ألّا نحاسب هذا الجيل على شيء نحن نوفره له، كما ينبغي علينا أيضا ألّا نحاسبه مستقبلا على تصرفاته أو على عدم اكتراثه بالواقع والهروب منه إلى الخيال العلمي، بكل حدة فرضت السيدة أم مازن نفسها وتدخلت في الحديث وهي تستمع إلى إحدى المتحدثات إلينا، بعصبيتها في الحديث، أرادت أن تعفي الجيل الحاضر من مسؤولية "هزاله الفكري" مستقبلا، ملقية اللوم الكلي على العائلة لأنها لا تقوم بدورها -حسب رأيها- في النصح والإرشاد والوقوف وقفة جدية في اختيارات أبنائها، باعتبار أنهم في سن تكون فيها اختياراتهم في أغلب الأحيان غير صائبة وهنا، في اعتقادها، يأتي دور وزارة التربية في مرتبة ثانية في حال عجزت الأسرة عن تقويم الاعوجاج في تربية أولادها، وفي الحالة التي نتحدث عنها ترى أم مازن أن ما يسمى أدب الرعب والخيال العلمي لا يضيفان شيئا إلى تكوين شخصية الطفل وإنما يكسبانه ميولا نحو العنف أو الخوف، وهذا حسب رأيها "لا نحتاجه لأجيالنا المقبلة كدول عربية وإسلامية، وعلينا أن نستفيق ونعيش في الواقع لكي نفهمه ونستعد للعيش فيه، خصوصا أننا في مرحلة صعبة نحتاج إلى مزيد من العلم وليس الخيال العلمي، ومزيد من الثقة وليس الخوف".
اختلاف الرؤى والأفكار
عرضت السيدة أم مازن الأمور من زاويتها الخاصة جعل رد أم هاني أمرا لا يحتمل تجاوزه. "كل الاختراعات ابتدأت بخيال علمي وبفكرة بدت في البداية غير معقولة التنفيذ، وهو لا يعني بالضرورة الخوف أو الابتعاد عن الواقع وإنما تصويره بطريقة مستقبلية، فما الضير لو تركنا العنان لمخيلة أولادنا لكي تحلق في فضاء المستقبل؟ بالعكس نحن بحاجة إلى الخيال العلمي نربي أطفالنا عليه لكي نضع في أذهانهم إمكانية تحويل الخيال إلى علم ويقين، وينبغي علينا ألّا نربيهم على أسس التفكير ذاتها التي تربينا عليها، لكي لا نخلق جيلا متكررا ويجتر نفسه، فلكل جيل ميوله وذوقه وبالتالي طرق التربية"، كذلك كان الرد من أم هاني ردا حانقا، "نحن هكذا دائما نحاول كبت كل ما هو جديد ونفضل التقوقع على أنفسنا، فمن السليم ونحن كما قلت نعيش في مرحلة صعبة، فمن الضروري أن ننفتح على الخيال العلمي لأنه خطوة للانفتاح على الاختراعات العلمية".
كان هذا الجدال العفوي على حدته نوعا ما يشي باختلاف في الأفكار والرؤى حول تربية أجيال الغد، اختلافا لا يعدو أن يكون نتيجة لاختلاف في المنطلقات والمنظومات الثقافية، ولئن كان أدب الرعب والخيال العلمي من جهة، و"الصوت" من جهة أخرى قد ولدا هذا الجدال في معرض الكويت الدولي للكتاب، فذاك من النقاط الايجابية التي بيّنت بوضوح ما يتسم به المجتمع الكويتي من تنوع وتغير طبيعي يفرزه قانون التطور.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق